وُلد
الفيلسوف الروسي الماركسي ليون تروتسكي ( 1879 _ 1940 ) في أوكرانيا لعائلة يهودية
من أصحاب العقارات . اسمه الحقيقي : ليف
دافيدوفيتش برونشتاين .
أجاد تروتسكي في طفولته اللغتين الروسية والأوكرانية بالإضافة إلى لهجة
الإقليم الألماني الشمالي. وأمضى السنوات التسع الأولى من حياته في مزرعة العائلة
، وترعرع في أيام شبابه ودراسته بالمدارس الثانوية، في مدينتَي "أوديسا "و" نيكولاييف "
في الفترة ( 1889_1895).
في عام 1896، وقبل أن يتخرج من
مدرسة"نيكولاييف" كان تروتسكي قد انضمَّ إلى إحدى الجمعيات الثورية
بمدينة نيكولاييف الأوكرانية، والتي قامت بالدعاية للأفكار الثورية بين العُمَّال.
كما شارك عام 1897 بتأسيس اتحاد العُمَّال في جنوب روسيا . وتَمَّ
اعتقاله عام 1898 بتهمة الاشتراك في قيادة عدد من التظاهرات والإضرابات
العُمَّالية ، وطبع الكتابات الممنوعة .
احْتُجِز في السجن مُدة سنتين ، ثُمَّ
نُفِيَ إلى مقاطعة إركوتسك في سيبيريا لمدة أربع سنوات بدون محاكمة. تزوَّجَ في المنفى. وفي المنفى أيضًا انضمَّ
تروتسكي إلى" الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي في سيبيريا " ، وعمل
كمُعلِّق سياسي ومُحلِّل اجتماعي وناقد أدبي . هرب من المنفى عام 1902 إلى خارج روسيا ، حيث سَمَّى نفْسه " تروتسكي " ، وهذا هو اسم حارس السجن الذي
أُودِع فيه في سيبيريا . ومُنذ ذلك التاريخ، عمل تروتسكي دون كلل أو تعب ، وعلى
نطاق واسع ، لأجل الفكرة التي أوقدها الفيلسوف الألماني كارل ماركس. لَبَّى تروتسكي دعوة لينين في الذهاب إلى لندن ، حيث التحق بمجموعة الماركسيين التي كانت تُصدِر صحيفة " إيسكرا " ( الشرارة ) . وفي
عام 1905 وضع تروتسكي نظرية الثورة الدائمة التي
يجب أن تتعدى حدود روسيا إلى أنحاء
العالَم ، وتدعو إلى إشعال ثورات متتالية في بلدان مختلفة لتقوم الثورة العالمية،
التي صارت أساس قوة وسُلطة النخبة الشيوعية في اتحاد
الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية بعد عام 1918. في
عام 1905 اندلعت الثورة في روسيا وعاد تروتسكي من فنلندا إلى الإمبراطورية الروسية ليترأس مجلس
نواب العُمَّال في مدينة سانت بطرسبرغ ، ويُنتخَب عضوًا
في اللجنة التنفيذية لمجلس السوفييت في سانت بطرسبرغ التي صار اسمها فيما بعد
" لينينغراد".
أُلْقِيَ القبض
على تروتسكي عام 1907 بعد فشل الثورة، وأصدرت المحكمة حُكمها بنفْيه إلى سيبيريا مدى الحياة مع
تجريده من جميع حقوقه المدنية ، غير أنه ما لبث أن هرب إلى أوروبا الغربية . ومُنذ
ذلك الحين وحتى عام 1917 ، عندما قاد مع لينين الثورة
الروسية، ظلَّ تروتسكي يُشكِّل القوة الكامنة المنفية لثورة البروليتاريا العالمية
. وخلال وجوده في السجن، انتهى من صياغة نظريته عن " الثورة الدائمة "
في مقالة بعنوان " نتائج وتوقعات " .
كان تروتسكي يسعى دَوْمًا إلى تَوَلِّي زمام
السُّلطة في الحزب والدولة . لكن لينين الذي حَظِيَ
في مرحلة الثورة والحرب
الأهلية بشعبية أكبر
منه حال دون وقوع ذلك. بدأ التصادم مع ستالين ، ونشأ أول جدال حول نقابات
العُمَّال ، فقد أراد تروتسكي جعلها تحت سُلطة الدولة ، ولَم يرغب ستالين في ذلك .
إلا أنه بعد موت لينين عام 1924 ،
لَم يحضر تروتسكي الجنازة
لعدم تواجده في المدينة وقتها، فيما أعلن ستالين نفْسه خليفة للزعيم ، واتهم
تروتسكي بقلة الاحترام للينين ، فاحتدم الصراع من أجل السُّلطة بينه وبين ستالين، الذي
تمكنَ من عزل أنصار تروتسكي في الحزب . وفي عام 1926 ، تَمَّ إعفاء تروتسكي
مِن العضوية في المكتب السياسي في الحزب البُلشفي ، بتهمة النشاط المعادي للحزب ،
ونفْيه مِن الحزب الشيوعي مِن قِبَل ستالين .
في عام 1932 ، تَمَّ نزع جنسية الاتحاد
السوفييتي عن تروتسكي ،
فانتقل إلى فرنسا ، ثُمَّ إلى الدنمارك والنرويج عام 1935 . اعتقلته
الحكومة النرويجية وصادرت
مؤلفاته كُلها خشية تأثيره السلبي على الوضع الداخلي في البلاد. واضْطُر إلى
مغادرة البلاد خوفًا من تسليمه إلى الحكومة السوفييتية.وفي عام 1936 هاجرَ تروتسكي
إلى المكسيك حيث أقام في
منزل الفنان دييغو ريفيرا. اعتمد تروتسكي منهجية كتابة البيانات والمنشورات المعادية للستالينية
الدكتاتورية ، مِمَّا هيَّج الطلاب والعُمَّال السوفييت
ضد ستالين. وكانت كتاباته قاسية للغاية . وفي عام 1937، أُقيم في الاتحاد
السوفييتي محاكمة ضد تروتسكي، وتَمَّ إصدار حُكم الإعدام الغيابي بحقِّه. ووُجِّهت
إليه تهمة الخيانة العظمى . وفي عام 1938 ، تَمَكَّنَ رجال ستالين من التسلل إلى
مستشفى باريس، حيث كان ابن تروتسكي يرقد مريضًا هناك، وخطفوه ، ثم قتلوه باسم
الثورة . وفي مايو 1940 تعرَّض تروتسكي لمحاولة اغتيال فاشلة .
وفي 20 أغسطس 1940،اغُتِيل تروتسكي، أحد أبرز
شخصيات الثورة
البُلشفية في روسيا، بعد
أن خسر المعركة على السُّلطة ضد ستالين . وقد تمكَّنت دوائر الكرملين الأمنية مِن
دَس عنصر المخابرات الستالينية " رامون ميركادير"في
حاشية تروتسكي . فقتله بضربة فأس على رأسه.
مِن أبرز مؤلفاته : دروس ثورة أكتوبر ( 1924 ) . الثورة الدائمة ( 1928 ) . المركزية الديمقراطية ( 1937) . النقابات في عصر الانحطاط الإمبريالي ( 1940) .