وُلد الفيلسوف والأديب
الفرنسي جان بول سارتر ( 1905_ 1980) في باريس.
كان والده
يعمل بالجيش ، ونشأت والدته في عائلة من المفكرين والمدرِّسين . لَم يتعرَّف سارتر
إلى والده الذي مات بعد خمسة عشر شهرًا من ولادته ، ومع ذلك فقد كان حاضرًا من
خلال جَدِّه. وهو رَجل ذو شخصية قوية ، قام بتربيته حتى التحق بالمدرسة العامة ،
وهو في العاشرة من عُمره. اكتشف سارتر القراءة في مكتبة البيت الكبيرة ، وفضَّلها
على مُصادَقة الأطفال في سِنِّه . وانتهت هذه الفترة السعيدة عام 1917 ، عندما
تزوَّجت والدته بمهندس بحري ، كان سارتر يُبغضه كثيرًا . بدأ حياته العملية
أستاذًا . درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية . وحِين احتلت
ألمانيا النازية فرنسا، انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية السرية . عُرف سارتر
واشْتُهر لِكَونه كاتبًا غزير الإنتاج، ولأعماله الأدبية وفلسفته المسمَّاة
بالوجودية ، والتحاقه السياسي باليسار المتطرِّف .
لَم يكن
سارتر مؤلفًا مسرحيًّا محترفًا ، وبالتالي فقد كانت علاقته بالمسرح عفوية طبيعية .
وكان يفتقر إلى القدرة التي يتمتَّع بها المحترِف بالربط بين أبطاله . كما كان
يفتقر إلى قوة التعبير الشاعري بالمعنى الذي يَجعل الْمُشَاهِد يُلاحق العمق
الدرامي في روح البطل. وقد تميَّزت شخصياته بالانفصال عنه ، وبَدت وكأنها موضوعات
جدال وحوار أكثر مِنها مخلوقات بشرية .
تميَّزت
موضوعات سارتر الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأزق أو الورطة . ومسرحياته
" الذباب " ، " اللامَخْرَج " ، " المنتصرون " تدور
في غرف التعذيب ، أو في غرفة في جهنم . أو تحكي عن طاعون مصدره الذباب . وتدور
معظمها حول الجهد الذي يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها كما يرغب ، والصراع الذي
ينتج من القوى التقليدية في العالَم ، الذي يُوقع البطل في مأزق ، ويحاول محاصرته
، والإيقاع بِه ، وتشويشه ، وتشويهه . وإذا كان إدراك الحرية ووعيها هو الخطوة
الأولى في الأخلاقية السارترية ، فإن استخدامه لهذه الحرية وتصرُّفه بها ( التزامه
) هو الخطوة الثانية . فالإنسان قبل أن يَعِيَ حُريته ويستثمر هذه الحرية هو عدم
أو مُجرَّد شَيء ، أقرب إلى الأشياء مِنه إلى الكائن الحي . إلا أنه بعد أن يَعِيَ
حُريته يُمسي مشروعًا له قيمته المميَّزة .
في ستينيات
القرن العشرين ، تدهورت صحة سارتر بسرعة . أحرقَ نَفْسَه من خلال نشاطه الأدبي
والسياسي الزائد ، ومن خلال استهلاكه للتَّبغ والكحول بكميات كبيرة .
وكان يوم 10
ديسمبر 1964 ، هو اليوم الأكثر دَوِيًّا في العالَم، عندما رفض سارتر جائزة نوبل
للآداب ، فهو يعتبر أنه لا يستحق أي شخص أن يُكرَّم ، وهو على قيد الحياة . كما
رفض أيضًا وسام جَوقة الشَّرف في 1945 ، وندوة في كوليج دو فرانس .
كانت هذه
التكريمات بالنسبة إليه تقييدًا لحريته ، لأنها تجعل من الكاتب مؤسسةً . وظلَّ هذا
الموقف شهيرًا ، لأنه يُوضِّح مِزاج المثقف الذي يُريد أن يكون مستقلاًّ عن
السُّلطة السياسية .
بعدما وصل
لآخر سنوات حياته ، اهتمَّ سارتر " بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي " .
وكان يُندِّد بالأحوال المعيشية السَّيئة التي يعيشها الفلسطينيون ، " التي
تُبرِّر اللجوء للإرهاب " ، مُعترفًا بشرعية " دولة إسرائيل " .
وفي عام
1976 ، قبل سارتر تكريمًا وحيدًا في حياته ، وهو الدكتوراة الفخرية من جامعة
أورُشليم العبرية ، وقد تلقَّاها من سفارة إسرائيل بباريس . لقد قَبِلَ هذه
الجائزة فقط لأسباب سياسية ، " لخلق رابط بين الشعب الفلسطيني الذي
أتَبَنَّاه وإسرائيل صديقتي ".
تُوُفِّيَ
سارتر في 15 أبريل 1980. وقد أثارَ خبر وفاته ضجة كبيرة . وفي 19أبريل 1980، هرع
خمسون ألف شخص إلى شوارع باريس للسَّير في موكب الدفن ، ولإعطائه التكريم المناسب لشخصه
.
دُفن سارتر
في مقبرة مونبارناس بباريس ( الحي 14) في 14 أبريل 1986 . ودُفنت عشيقته سيمون دي
بوفوار لاحقًا معه في نفس القبر. وكُتب عليه" جان بول سارتر( 1905_ 1980) ،
وسيمون دي بوفوار ( 1908_ 1986) " .
مِن أبرز
أعماله الفلسفية : التَّخَيُّل ( 1936) . تخطيط لنظرية الانفعالات ( 1939) .
الوجود والعدم ( 1943) . الوجودية مذهب إنساني ( 1946) . نقد العقل الجدلي (
1960).
ومِن أبرز أعماله الأدبية : الغثيان ( 1938). الذباب( 1943) . الغرفة المغلقة ( 1944) .