وُلد الروائي الألماني توماس مان ( 1875_
1955) في مدينة لوبيك الألمانية التي تطل على بحر البلطيق ، وتُوُفِّيَ في مدينة
زيورخ السويسرية . ينتمي إلى عائلة برجوازية ، فقد كان أبوه من كبار التجار ،
وعُضوًا في مجلس الشيوخ . أمَّا والدته فكانت ابنة أحد أصحاب المزارع الكبرى في
البرازيل . وأخوه الكبير هو الروائي هنريك مان .
لَم يهتم بالحياة
الدراسية ، وكانت المدرسة بالنسبة إليه سِجنًا لا يُطاق ، فَكَرِهَها ، وهرب من
أجوائها الخانقة ، ولَم يحصل على شهادة الثانوية . وكانت سعادته مستمدةً من المسرح
البسيط الذي أقامه أخوه هنريك في البيت .
عِندَما بلغ
الخامسة عشرة مِنَ العُمُر تُوُفِّيَ والده، وقامت الأسرة بإغلاق الشركة التجارية
التي تركها الأب ، وباعت البَيت بما فيه مِن أثاث . واضْطُرَّت والدته البرازيلية
إلى الاستقرار معَ أولادها في مدينة ميونخ عام 1893. والتي كانت العاصمة الثقافية
والفنية لألمانيا . وقد أكملَ فيها الشاب توماس تعليمه ، وعمل لفترة بسيطة في شركة
تأمين ، ثُمَّ عمل في مجلة أسبوعية كان يُصدرها أخوه . وفي تلك الفترة بدأ يَكتب
الشِّعر العاطفي مُتأثِّرًا بالشعراء الألمان الكِبار : غوته وشيلر وهاينه .
سافرَ مَعَ أخيه
إلى إيطاليا ، وأقامَ فيها لمدة عامَيْن ، وبدأ كتابة أُولى رواياته " آل
بودنبركس ". ثُمَّ عادَ إلى ميونخ ، واستقرَّ فيها بعد أن أدَّى الخدمةَ
العسكرية . تزوَّجَ مِن كاتيا برنغشايم ، وهي امرأة أرستقراطية ، وبذلك صارَ ضِمْن
أرقى العائلات في المدينة .
تُعتبَر رواية
" آل بودنبركس " ( 1901) مِن أكثر الكتب مبيعًا ، وهي تُمثِّل اعترافًا
عالميًّا بموهبة هذا الكاتب ، وتَكريسًا أدبيًّا لَه ، وسَببًا رئيسيًّا في حصوله
على جائزة نوبل فيما بَعْد .
تُصوِّر الروايةُ
تراجعَ عائلة تجارية برجوازية من مدينة لوبيك الألمانية على مدى أربعة أجيال . وقد
استلهمَ الكاتب الكثير من تاريخ عائلته . وقد بِيع من الرواية حتى اليوم أكثر من
أربعة ملايين نسخة باللغة الألمانية وَحْدَها .
عندما اندلعت الحرب
العالمية الأولى عام 1914 ، كان مان أديبًا مُكَرَّسًا ومَشهورًا . وقد استعاد
نشاطه الأدبي بعد انتهاء الحرب ، فكتب روايته الشهيرة الجبل السِّحري ( 1924) ،
التي تُعتبَر أهم رواية للمؤلف ، وأهم رواية كلاسيكية في الأدب الألماني في القرن
العشرين ، وتَمَّت ترجمتها إلى لغات عديدة. وقد احتلت المرتبة الأربعين في "كتب
لوموند المئة للقرن " . وهو تَصنيف كُتُب ضَمَّ عِندَ إعداده مجموعة من الكتب
يُعتقَد أنها أفضل 100 كتاب صَدر خلال القرن العشرين . وهذه الروايةُ حَقَّقت
للكاتب شهرة عالميةً تُوِّجَت بحصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1929 .وعِندَما
عَلِمَ بِفَوزه بجائزة نوبل، قال بلهجة مُتكبِّرة: (( كُنتُ أنتظر ذلك )). وقد
قَدَّم الجائزة لشعبه قائلاً : (( سَأُقدِّم
هذه الجائزة العالمية التي تحمل بالصُّدفة اسمي لشعبي ولبلدي )) . وقد تُرجمت كتب توماس مان إلى أكثر
مِن أربعين لغة .
كان نجاح هتلر في الانتخابات عام 1930 كارثةً مُدوِّية في تاريخ ألمانيا،
وشَكَّلَ خطرًا حقيقيًّا على حياة عائلة ( مان ) الليبرالية . وقد طالبَ الكاتب
بتشكيل جبهة من الديمقراطيين لمواجهة المتشدِّدين .
وبعد وصول الحزب النازي إلى الحكم عام 1933 ، أُجْبِرَ على مُغادرة ألمانيا . وقد
سُحبت منه الجنسية عام 1936 ، فعاشَ مُتنقِّلاً بين فرنسا وسويسرا ، ثُمَّ هاجرَ
إلى الولايات المتحدة ، واستقرَّ فيها مَعَ عائلته حتى عام 1952 . ثُمَّ عادَ إلى
أوروبا ، واختارَ مدينة زيورخ لِيُنهيَ فيها حياته بهدوء .
لَم تكن حياة توماس مان مفروشةً بالورود .
لقد عانى في طفولته ، وكَرِهَ المدرسةَ ، ولَم يحصل على شهادة الثانوية . كما أنَّ
وفاةَ والده أفقدت العائلةَ توازنها الروحي ، وأثَّرَتْ سَلبًا على وَضعها
الاقتصادي ، حتى اضْطُرَّت إلى تغيير مكان إقامتها. ولَم تستقر حياة الكاتب بعد
زواجه وانضمامه إلى العائلات الراقية وشُهرته الأدبية ، فقد تلقَّى صَدمةً هائلةً
عِندَما انتحر ابنُه كلاوس الذي كان يَتمتَّع بموهبة أدبية خاصة . ثُمَّ جاءت
الأحداث السياسية لتزيد معاناته ، فقد طرده النازيون من بلاده ، واعتبروه خائنًا ،
وسَحبوا مِنه الجنسية . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، عانى من
المشكلات النفسية التي سَبَّبت له الاضطراب وعدم التوازن، إلا أنه نَجح في قيادة
المعركة السياسية وتَطوير أعماله الأدبية . لُقِّبَ توماس مان بالسَّاحر نظرًا
لإمكانياته الفكرية الهائلة ، وأسلوبه الأدبي المؤثِّر . وتَمَّ اعتباره أحد أعمدة
الأدب الألماني الحديث . وقامت أشهر الجامعات العالمية بتكريمه مثل جامعة أكسفورد
البريطانية وجامعة برنستون الأمريكية. وبَقِيَ قَلْبُه مُعَلَّقًا بوطنه وشعبه رغم
سنوات الغربة الطويلة .
مِن أبرز أعماله الأدبية : المهرِّج ( 1898) . آل بودنبركس ( 1901) . الموت في فينيسيا ( 1912). حُوِّلت إلى فيلم سينمائي عام 1971 يحمل نفس الاسم . الجبل السحري ( 1924). المختار ( 1951) . البجعة السوداء ( 1954) .