وُلِد الفيلسوف وعالِم الرياضيات توماس
هوبز( 1588 _ 1679 ) في ديربيشاير في إنجلترا. كان والده يعمل فيقارًا في شارلتون
وويستبورت،وفيقار رُتبة عسكرية معتمدة في الإمبراطورية البيزنطية . أمَّا والدته ،
فقد تُوُفِّيت وتركته ، فَحُرِم مِن حنانها . ولَم يَرَ والدته ولا يعرف عنها
شيئًا ، ولا حتى اسمها . وبعد فترة تزوَّج الأب وأنجبَ أطفالاً من زوجته .
تلقَّى تعليمه في كنيسة ويستبورت مُنذ أن
كان عُمره أربعة أعوام ، ثم انتقل بعدها إلى مدرسة ميلمزبيري ، ثم انتقل إلى مدرسة
خاصة يديرها شاب تخرَّجَ في جامعة أكسفورد .
كان هوبز تلميذًا يُشار إليه بالبنان . وقد
درس الفلسفة في جامعة أكسفورد . وكان يبدو في الجامعة أن هوبز يتبع منهجًا
تعليميًّا خاصًّا به،ولَم يكن منجذبًا كثيرًا إلى التعليم الدراسي. ولَم يُكمِل
شهادة الليسانس حتى عام 1608 ، وهي سنة تخرُّجه في الجامعة . صار بعدها مُرَبِّيًا
خاصًّا لشارل الثاني في منفاه في باريس عام 1646 ، وهيَّأ له هذا المنصب فرصة
السفر إلى أوروبا . يُعَدُّ هوبز أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا ، وأكثرهم
شُهرةً ، خُصوصًا في المجال القانوني، حيث كان بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفة
والأخلاق والتاريخ، فقيهًا قانونيًّا ساهمَ
بشكل كبير في بَلْورة كثير من الأطروحات التي تميَّز بها هذا القرن على
المستوى السياسي والحقوقي. كما عُرف بمساهمته في التأسيس لكثير من المفاهيم التي
لعبت دورًا كبيرًا ، ليس فقط على مستوى النظرية السياسية ، بل كذلك على مستوى
الفِعل والتطبيق في كثير من البلدان ، وعلى رأسها مفهوم " العَقْد الاجتماعي
" ( نظرية اجتماعية تصف الحالة التي يكون فيها للجماعات البشرية سُلطة عليا
أو قيادة أو حاكم أو أي شكل من أشكال ممارسة السياسة أو السُّلطة ) . وأيضًا ،
يُعتبَر هوبز من الفلاسفة الذين وَظَّفوا مفهوم الحق الطبيعي في تفسيرهم لكثير من
القضايا المطروحة في عصرهم .
كان هوبز مُناصرًا للملكية المطْلقة ، ولكنه
قام أيضًا بتطوير بعض أساسيات الفكر الليبرالي الأوروبي : حق الفرد ، والمساواة
الطبيعية بين جميع البشر ، والشخصية الاعتبارية للنظام السياسي (التي أدَّت لاحقًا
إلى التمييز بين المجتمع المدني والدولة ) ، وهو أيضًا صاحب رأي أن جميع القوى
السياسية الشرعية يجب أن تكون مُمثَّلة وقائمة على قَبول الشعب ، والتفسير الحر
للقانون الذي يمنح الناس حرية فعل ما لَم ينص القانون على تجريمه صراحةً .
تُعتبَر نظرية " العَقْد الاجتماعي
" مِن أهم نظريات هوبز ، حيث إنه عاش في حقبة من الزمن كان فيها الإنسان
ينتصر بالقوة فقط ، وكان يتنازل الضعيف عن كل حقوقه للسُّلطة من أجل الحماية .
وكان هوبز يرى أن الإنسان عاش في مرحلة ما قبل المجتمع بحالة همجية لا أخلاقية ،
تحت سَطوة المصلحة الذاتية وانعدام القوانين ، فكان لا بُد له من إنشاء
المجتمع حتى يُحقِّق الإنسان مصالحه . كما أنه يرى الناس غير قادرين على حُكم
أنفسهم بأنفسهم ، لذا افترض أن الملكية المطْلقة البعيدة عن الملكية الحاكمة
باسم الإله ، والتي تمتلك سُلطة مُطْلقة غَير مُقيَّدة ، قادرة على سن التشريعات
والقوانين الناظمة لحياة الناس .
كان هوبز عليلاً في شبابه ، مَوفور الصحة
نشيطًا في شيخوخته، ومارس لعب التنس حتى بلغ الخامسة والسبعين . وإذا لَم يَتيسَّر
ملعب التنس ، عَمد إلى المشي لفترة طويلة في خِفة وسرعة، حتى يَتَصَبَّب منه
العَرَق،وعندئذ يدفع للخادم بعض النقود لتدليكه . وكان معتدلاً في أكله وشربه ،
وامتنع عن أكل اللحم وشرب الخمر بعد السبعين .
لَم يَتزوَّج هوبز قَط ، ولكن كان له ابنة
من علاقة غير شرعية ، وفَّر لها سُبل العيش الكريم بسخاء . وكان يقرأ قليلاً في
سنينه الأخيرة . وفي الليل ، عندما كان يأوي إلى الفراش، والأبواب مُوصدة ، وهو
واثق أن أحدًا لا يسمعه ، كان يُغنِّي بصوت عال ، ليس لأن صوته رخيم ، ولكن مِن
أجل صحته ، حيث اعتقدَ أن الغِناء يُفيد رئتيه ، ويُؤدِّي إلى إطالة العُمر .
ومهما يكن من أمر، فإنه أصيب منذ 1650 بشلل
ارتجافي في يديه، واشتدت به هذه العِلة حتى كادت كتابته في 1666 أن تكون غير
مقروءة .
وعلى الرغم مِن هذا ،
استمرَّ هوبز في الكتابة ، وتَحَوَّل من الفلسفة إلى الرياضيات، وهنا انزلق في غير
ما حِرص ولا حَذَر ، إلى خلاف مع عالِم خبير هو جون واليس الذي انتقصَ مِن قيمة
ادِّعاء هوبز أنه كشف تربيع الدائرة .
وفي 1670، وهو في الثانية والثمانين نشر
كتابه " بهيموث " ، وهو عبارة عن تاريخ الحرب الأهلية في إنجلترا ، كما
كتب عِدَّة ردود على ناقديه، وترجم إلى اللاتينية كتابه "لواياثان"
ترجمة رائعة . وفي عام 1675 ، كتب سيرة حياته نَظْمًا باللاتينية، كما نظم في نفس
العام الإلياذة والأوديسة شِعْرًا بالإنجليزية ، وقال إنه لَم يجد عملاً يُؤدِّيه
أفضل مِن هذا .
اشتدَّ عليه الشَّلَل،حيث انتشرَ في جسمه،ولَم يعد قادرًا على الكلام،وفي 4 ديسمبر 1679، فاضت رُوحه بعد أن تناول أسرار العقيدة ، أنكليكانيًّا مُخْلِصًا .