وُلد الروائي الأمريكي
جاك لُندُن ( 1876 _ 1916 ) في سان فرانسيسكو ،
وعاش مع أُمِّه بعد أن هجرهما والده ، وكانت والدته مُدرِّسة موسيقى . وكان
والده كاهنًا يمتهن التنجيم وقراءة الغيب، ولهذا يُعرَّف لُندُن في الأدبيات الاشتراكية والماركسية بأنه يتحدَّر
من الشريحة البرجوازية الصغيرة ، ويعمل في خدمة الكادحين .
تجرَّع لندن مرارة الحياة، وامتهن أعمالاً
مختلفة، من صحافة، وعامل في المعامل ، والشرطة البحرية ، وقبطان سفينة ، وطالبًا ،
ومُراسلاً صحفيًّا ، وعامل منجم وسواها .
انضمَّ لندن إلى جماعة " الاشتراكيين
العموميين " الذين شكَّلوا حلقات دراسية لدراسة بيان
الحزب الشيوعي، وكتابات ماركس وكانت ونيتشه وسبنسر . كما
انتدبته أحزاب ومنظمات اشتراكية لتمثيلها في أعمال المجالس البلدية، وشارك في
اجتماعات الاشتراكيين في أمريكا بخطاباته الثورية. وقد مات بسبب الإجهاد الشديد
والمرض والإدمان على الكحول والانهيار الروحي، وقد بلغ 40 عامًا ، ويقال إنه قد
انتحر .
يُركِّز لندن في كتاباته على أن الصراع
الطبقي بين العمال والرأسماليين أمر لا بد منه، وهو يُروِّج طوال عمره للأفكار
الاشتراكية ، والثورة العُمَّالية القادمة . وكان ينتقد باستمرار النظام
الرأسمالي، ويفضح القوانين اللاإنسانية الجائرة ، ويفضح صفات الرأسمالية وجشعها
اللامحدود .
وكان يدعو إلى تجديد روح الاشتراكية دومًا،
وإلى حماية البيئة وجمال الطبيعة
الواهبة لسعادة الحياة وبهجتها . لقد تنوَّعت الثيمات في كتاباته التي اشتركت كلها
في مُقارَبة مسألتَي علاقة الإنسان بالطبيعة، وعلاقة الفرد بالمجتمع .
وقد كتب قصص مغامرات أبطالها حيوانات، مِثل
: رواية " الناب الأبيض " ( 1905 ) . ويَعتبر لندن أن رواية "
أهالي قعر المجتمع " من أفضل كتاباته، وهي قصة مكتوبة وفق المدرسة الطبيعية
عام 1903، وتدور أحداثها في أحياء فقراء الصفيح في لندن.
أمَّا رواية " القدم الحديدية " ( 1908 ) ،
والتي جعلته مِن أكثر الكُتَّاب شعبية عند العُمَّال والكادحين والمثقفين ذوي
الاتجاهات الاشتراكية ، فهي تصوير لمستقبل البشرية ، ورواية هادفة، تُمثِّل
أحداثها ثورة المضطهَدين، ونضال العمال الدامي في أمريكا، وتُنبئ باقتراب ظهور
الفاشستية في أوروبا .
وهذه الرواية تُعتبَر
اليوم إنجيل الاشتراكية والاشتراكيين . لقد صوَّر لندن فيها حتمية انتصار
الاشتراكية وحتمية انهيار الرأسمالية ، والصراع الرهيب الذي لا بد أن يدور بين
مُعسكرَي التقدمية والرجعية، والأساليب الجهنمية التي تلجأ إليها الرأسمالية في
صراعها من أجل البقاء .
يرى تروتسكي أن "
القدم الحديدية " أفضل وثيقة توضح عملية تَشَكُّل الفاشية، ويعتبرها إطارًا تحليليًّا
للمظالم التي تتعرض لها البشرية على يد الرأسمالية، وأن بطل الرواية يُمثِّل مصير
البشرية كلها ، وهي تعاني في عصر عبادة الربح وفظاعة الاستغلال . وثمة نُقَّاد لا
يستبعدون أن يكون الروائي جورج
أورويل قد كتب روايته
" 1984 " ، تحت تأثير رواية " القدم الحديدية " .
أمَّا روايته " ذئب البحر " ( 1904 ) ، فهي رواية
مُغامَرة نفسية ، تدور أحداثها حول ناقد أدبي ينجو من تحطم سفينته في المحيط ،
ليتم إنقاذه ويقع تحت هيمنة وولف لارسن ، وهو قبطان سفينة قوي وعديم الأخلاق .
لَم يكن لندن كاتبًا اشتراكيًّا يُدافع عن
العدالة في سبيل مستقبل اشتراكي للبشرية فَحَسْب ، بل كان أيضًا مُبدعًا كبيرًا في
قصص المغامرات والطبيعة والحيوانات أيضًا .
وقد تركت كتاباته وأفكاره الثورية ومواهبه
الإبداعية تأثيرًا عظيمًا على الأدب ، رغم التناقضات التي انتابته وأفكاره .
تَمَّ اعتباره مُخَرِّبًا ومُعاديًا
للديمقراطية الأمريكية ، ومُنعت كتبه من التداول، وصُودِرت من المكتبات العامة.