وُلِد الشاعر الفرنسي
جاك بريفير ( 1900 _ 1977 ) في نويلي سور سين ، ونشأ في باريس . حصل على شهادة
الدراسة الابتدائية ، ثم ترك المدرسة ، وذهب للعمل في أحد المتاجر الكبرى في باريس
.
في عام 1918
، تم استدعاؤه للخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولى . وبعد ذلك ، أُرْسِل إلى
الشرق الأدنى للدفاع عن المصالح الفرنسية هناك .
عندما كان
بريفير في المدرسة الابتدائية ، كان في البداية يكره الكتابة . وفي سنوات شبابه ،
انتسبَ إلى الحركة السريالية ، وارتبطَ بصداقات متينة مع رموزها مِن شعراء
وكُتَّاب وفنانين تشكيليين وغَيرهم . إلا أنه رفض الانضمام إلى الحزب الشيوعي ،
رغم إلحاح صديقه جورج سادول على ذلك . وفي عام 1930 ، تمرَّد على " دكتاتورية
أندريه بريتون "، وكتب نَصًّا بعنوان " موت سَيِّد " ، أوضحَ فيه
أسباب انفصاله عن الحركة السريالية .
غالبًا ما
تكون قصائد بريفير عن الحياة في باريس ، والحياة بعد الحرب العالمية الثانية . وقد
اشْتُهِر بريفير في
فرنسا والعالم الفرنكفوني ببساطة كلماته وسلاسة قصائده ، مِمَّا جعلها تُدرَّس
بكثافة في المناهج الدراسية لتلك الدول، كما اشْتُهِر بكتابته للقصص القصيرة
وسيناريوهات الأفلام . وتُرجِمت أعماله إلى عشرات اللغات.
كان بريفير الشاعر الأكثر شُهرة بين شعراء
عصره ، وكانت قصائده الأكثر انتشارًا على مستوى القُرَّاء . وقد تميَّزت بغنائية
بسيطة وسلسلة ، لا تَخلو من العُمق والبلاغة .
قامَ بعض
المطربين الفرنسيين البارزين بغناء قصائد بريفير ، مِن بينهم : ماريان أوزوالد ،
إيف مونتان ، وإديث بياف . بالإضافة إلى المطربين الأمريكيين لاحقًا : جوان بيز
ونات كينج كول . وفي عام 1961 ، قامَ المغنِّي وكاتب الأغاني الفرنسي سيرج غينسبور
بتكريمه في أغنية خاصة .
كانت قصائد
بريفير هي أساس الفيلم الوثائقي للمخرج يوريس إيفنز" السين الذي يلتقي
بباريس " ( 1957 ) ، حول نهر السين.
ارتبطَ
بريفير بعلاقة عمل طويلة مع بول غريموت . وقد كتبا معًا سيناريوهات لعدد من أفلام
الرسوم المتحركة ، بَدْءًا مِن "الجندي الصغير" ( 1947 ) . وعملا معًا
حتى وفاة بريفير ، بعد صراع مرير مع مرض السرطان .
والجديرُ
بالذِّكر أن الشاعر السوري نزار قباني ( 1923_ 1998 ) قد سَطا على إحدى قصائد
بريفير ، ونسبها إلى نفسه. فهناك قصيدة لنزار قباني بعنوان " مع جريدة "،
وهذا نصُّها : (( أخرجَ مِن مِعطفه الجريدة /
وعلبة الثقاب / ودون أن يلاحظ اضطرابي / ودونما اهتمام / تناول السُّكر من أمامي /
ذَوَّب في الفنجان قطعتين / ذَوَّبني ذَوَّب قطعتين / وبعد لحظتين / ودون أن يراني/ ويعرف الخوف الذي اعتراني/ تناول المعطف من أمامي/ وغاب في الزحام /
مُخَلِّفًا وراءه الجريدة / وحيدة / مِثلي أنا وحيدة)).
وهذه
القصيدة تتشابه إلى حَد بَعيد مع قصيدة
بريفير ، التي هي بعنوان " غذاء الصباح"، وهذا نصُّها بعد الترجمة _
والترجمة ليست لي _ : (( وضع القهوة في الفنجان / ووضع الحليب في فنجان القهوة /
ووضع السُّكر في القهوة بالحليب / وبالملعقة الصغيرة حَرَّكها / وشرب القهوة
بالحليب / ووضع الفنجان / دون أن يُحدِّثني / وأشعل سيجارة / وجعل دوائر من دخان /
ووضع الدخان في المِدخنة / ودون أن يُحدِّثني / وضع قبعته على رأسه / ووضع معطفه
الشتوي / لأن السماء كانت ماطرة / ثم راح دونما كلمة / ودون أن يَرنوَ إِلَيَّ /
وأنا أخذتُ رأسي بين يَدَيَّ / وبكيتُ )) .
نُلاحظ التشابه الواضح بين القصيدتين. إذ إِن جَو النص واحد، وسيناريو
القصيدة واحد، والأفكار في القصيدة واحدة. والقاعدةُ الأدبية تقول إِن اللاحق
(نزار قباني) مُتأثِّر بالسابق (جاك بريفير)، وليس العكس. وهذه القضية تحدَّثَ
عنها شعراء ونُقَّاد كثيرون ، وليست من اكتشافي الشخصي، لكني أريد تسليط الضوء على
هذه القضية من أجل تحليلها وأخذ الدروس والعِبَر مِنها.
إن الشاعر نزار قباني لديه إنتاج شِعري غزير، ويملك في رصيده الأدبي عشرات
المجموعات الشعرية، فما الذي يجعله يَسطو على قطعة شِعرية قصيرة لشاعر فرنسي ؟! .
لقد سقط نزار قباني في إغراء النَّص. فقد أغرته الكلمات البسيطة للشاعر الفرنسي،
وأعجبه جو القصيدة البعيد عن التعقيد. وهذا الأمر أوقعه في الفخ الأدبي في بحثه عن
صَيد جديد. وحُب الامتلاك لدى نزار قباني جعله يرتكب هذه الخطيئة الشِّعرية . والجديرُ بالذِّكر أن
قيام المطربة اللبنانية ماجدة الرومي بغناء قصيدة نزار قباني، قد سَلَّطَ الضوءَ
على القصيدة، وجعلَ الكُتَّابَ العرب المطَّلعين على الأدب الفرنسي يَكشفون هذه
السرقة الواضحة، ويَعقدون المقارنات بين القصيدتين .
مِن أبرز أعمال بريفير الشعرية: أقوال ( 1946 ). مشهد ( 1951 ). أضواء الإنسان ( 1955) . المطر والصَّحو ( 1955) . أشياء وأخرى ( 1972 ) .