وُلد الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو(1903_ 1969) في فرانكفورت،
وتُوُفِّيَ في سويسرا. كان والده يهوديًّا ، وأُمُّه إيطالية كاثوليكية . واتَّخذ
اسم والدته " أدورنو " بدلاً من اسم والده. كان أدورنو شغوفًا بدراسة
الفن ، وخاصة الموسيقى . اتَّجه نحو دراسة الفلسفة ، مُتأثِّرًا في البداية
بكتابات كانت. وفي جامعة فرانكفورت درس أيضًا علم النفس وعلم الاجتماع وتاريخ
الفنون وعلم الموسيقى، وتعرَّف على ماكس هوركهايمر ووالتر بنيامين، وأنجزَ رسالة
دكتوراة عام 1924 حول فينومينولوجيا هوسِّرل، قبل أن ينتقل إلى النمسا لدراسة
الموسيقى عام 1925 .
كان عضوًا رائدًا في مدرسة فرانكفورت للنظرية
النقدية. وقد تأثرَ بأعمال فرويد ، وماركس، وهيغل ، في نقد المجتمع المعاصر .
وتُعتبَر نظريته حول المجتمع مزيجًا من أفكارهم ونظرياتهم .
اشتغل بالتدريس في جامعة فرانكفورت في عام
1931 ، كما ارتبط بشكل وثيق بمعهد البحوث الاجتماعية .
بعد صعود النازيين في ألمانيا إلى الحكم ، وجد أدورنو نفسه ممنوعًا من
التعليم والنشاط العام، مُهَدَّدًا في حياته، فهاجرَ إلى بريطانيا عام 1934 أملاً
في الحصول على وظيفة بجامعة أكسفورد ، وأعدَّ للغرض أطروحة دكتوراة ثانية حول
هوسِّرل . ثم هاجرَ إلى أمريكا عام 1938. وخلال الفترة( 1941_ 1948 ) شاركَ في
رئاسة مشروع بحث في جامعة كاليفورنيا حول التمييز الاجتماعي . وأصدر خلال هذه
الفترة عِدَّة أعمال من أهمها : " جدل الاستنارة " الذي أصدره بالاشتراك
مع ماكس هوركهايمر عام
1947.ويُعَدُّ أهم أعمال مدرسة فرانكفورت، و" فلسفة الموسيقى الجديدة "
( 1949 ) ، و " الشخصية المتسلِّطة " الذي كتبه أيضًا بالاشتراك مع عالم
النفس الاجتماعي الأمريكي نفيث سانفورد عام 1950. وصدر هذا البحث الأخير تحت رعاية
اللجنة الأمريكية اليهودية، فهو يتناول ظاهرة معاداة اليهود بالدرجة الأولى،
ويُعتبَر واحدًا من أهم الدراسات التجريبية ( الإمبريقية ) في علم الاجتماع
الحديث.
ومِن مؤلفاته الأخرى: " دراسات أخلاقية
صغيرة"( 1951)، و"رطانة الأصالة " (1964)، و" ملاحظات عن
الأدب "( في جزأين 1958و1969 ) .
تتمحور هذه الأعمال وأغلب كتاباته الغزيرة
الأخرى حول المشاكل الثقافية والاجتماعية ودور الفرد في المجتمع . ويرى أدورنو أن
ظهور العقل في عصر الاستنارة وتحرُّره من الأساطير لَم يُؤدِّ بالضرورة إلى نتائج
إيجابية، فقد تحوَّل العقل نفسه إلى قوة غير عقلانية تسيطر على الطبيعة وعلى
الإنسان، كما رأى أن المجتمعات الحديثة تطمس الفرد تمامًا ، وأن البشرية في طريقها
إلى شكل جديد من أشكال البربرية ، وأن ما جرى في معسكرات الإبادة النازية لا
يُعَدُّ انحـرافًا عن مسـيرة التاريخ والمجتمع، وإنما هو جزء عضوي من " تقدُّمها
نحو الجحيم" . وعلى عكس علم الاجتماع الأكاديمي التقليدي ، أكَّد أدورنو أن
الفاشية هي النتاج الطبيعي للرأسمالية، ولكنه في الوقت نفسه رفض جميع أشكال التسلط
والديكتاتورية ، وانتقد بشدة نظام ستالين في الاتحاد السوفيتي، وآمنَ بإمكانية
إقامة مجتمع يستند إلى العدل والمساواة . ويُعَدُّ كتابه " الجدل السلبي " ( 1966 ) من أهم كتبه إذ يضم بعض
أفكاره الكُلِّية عن العصر الحديث والإنسان والكون ، ويُعَدُّ كتابه "
النظرية الجمالية " نظريته في الفن ، حيث يطرح تصوُّره بشأن استقلال العمل
الفني ، وفكرته القائلة إن الأعمال الفنية الأصيلة تميل إلى " الكُلِّية
". لذلك ، فالفن هو الذي يُحيي الحق، ويُمثِّل دور المعارضة الحقيقية والدعوة
إلى الانعتاق في " حضارة الصناعة " .
عاد أدورنو إلى ألمانيا عام 1953 ، وأصبح
أستاذًا في علم الاجتماع في جامعة فرانكفورت ، ثم رئيسًا لمعهد البحوث الاجتماعية
، ولاقت فلسفته قبولاً كبيرًا لدى التيار اليساري الراديكالي بين الشباب الألماني،
ولكنه هُوجِم فيما بعد بسبب انتقاده لاستخدام العنف .
يَرِدُ اسم أدورنو في كثير من المعاجم والموسوعات اليهودية باعتباره يهوديًّا مع أنه وُلِد لأم كاثوليكية، ومِن ثَمَّ فهو ليس يهوديًّا من منظور الشرع اليهودي، كما أنه أَسقط اسم والده بسبب نبرته اليهودية الفاقعة . أمَّا من منظور الرؤية ، فرؤيته تعود إلى التقاليد النقدية الفلسفية الألمانية ، وإلى نقد حركة الاستنارة والترشيد الذي يُعَدُّ موضوعًا أساسيًّا فيها . وهو عضو في مدرسة فرانكفورت التي تضم عددًا من المفكرين ذوي الأصول اليهودية والمسيحية ،ولا تظهر الموضوعات اليهودية في كتابات هؤلاء المفكرين مثل موضوع الإبادة النازية لليهود، إلا باعتبارها تعبيرًا عن شيء مهم وجوهري ووحشي في الحضارة الغربية الحديثة . وفي عام 1977 ، تأسَّست جائزة تيودور أدورنو في مدينة فرانكفورت، وهي جائزة ألمانية تُمنَح للإنجازات في مجالات الفلسفة، والمسرح ، والموسيقى، والسينما. تُمنَح الجائزة في 11 سبتمبر من كل عام في ذكرى ميلاد أدورنو الذي قام بالتدريس في جامعة فرانكفورت لمدة 20 عامًا . قيمة الجائزة خمسون ألف يورو . عُرف أدورنو بمقاربته النقدية ، وأساس هذه المقارَبة قائم على الجمع بين التحليل الماركسي والفرويدي في آنٍ معًا للمجتمع الرأسمالي وثقافته .