وُلد الشاعر الإنجليزي من أصل أمريكي توماس
ستيرنز إليوت"تي إس إليوت"(1888_1965) بمدينة سانت لويس في ولاية ميسوري
. تخرَّجَ من جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس ، ثم التحق بجامعة هارفارد، وتخرَّجَ
فيها عام 1910 . ثم انتقل إلى باريس ، ودرس الأدب الفرنسي والفلسفة في جامعة
السوربون . وعاد بعدها إلى جامعة هارفارد للدراسة العليا في الفلسفة وعلم النفس .
ثم التحق بجامعة مابرغ الألمانية عشية الحرب العالمية الأولى ، وسُرعان ما انتقل
إلى جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة الإغريقية. كانت قصائد إليوت قليلة للغاية ،
وهذا لا يتناسب معَ مكانته العالمية . ومن الواضح أنه كان يُركِّز على النَّوعية،
فقد بنى شُهرته العالمية على قصائد معدودة، وكان يكتب قصيدتين أو ثلاث في السنة .
لكنَّ هذه القصائد كانت مُدهِشة ومُميَّزة ، وكُلُّ واحدة تُعتبَر عَالَمًا
شِعريًّا متكاملاً ، ومنظومةً أدبية فريدة بحد ذاتها .
في عام 1915 ، ظهرت أولى قصائده "
أغنية حب ج. ألفريد بروفروك " في مجلة " شِعر " الأمريكية . وفي
نفس السنة ، تزوَّج فتاة إنجليزية تُدعى فيفيان هيغ . اشتغلَ سنة بالتعليم ، ثم
انتقل إلى العمل في مصرف لويد في لندن عام 1917 . وفي عام 1927أصبح من أتباع
الكنيسة الأنكليكانية ، وحصل على الجنسية البريطانية . وفي عام 1932 ، صار أستاذًا
للشِّعر في جامعة هارفارد . تُوُفِّيت زوجته عام 1947 ، وبعدها بسنة حصل على وسام
الاستحقاق وجائزة نوبل للآداب ( 1948 ) . نشر إليوت مجموعته الشعرية الأولى "
بروفروك وملاحظات أخرى " عام 1917 . وفي هذه المجموعة تتجلى تأثيرات الرمزية
الفرنسية. وفي عام 1922 ، نشر إليوت قصيدته " الأرض الخراب " ، وهي
تُعَدُّ بإجماع النُّقاد أعظم أعماله الشعرية على الإطلاق ، والقصيدة التي جَلبت
له الشهرة العالمية. وقد كُتبت في فترة انهيار زواج إليوت . إنها تُعبِّر عن خيبة
أمل جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى( 1914_1918)، وانهياره الروحي، وانكساره
المادي. وتُصوِّر عَالَمًا كابوسيًّا مليئًا بالخوف والضياع والموت.وفي هذا
العالَم المتهاوي الذي ينتظر الخلاصَ، تنتشر الشكوك ، ويغيب اليقين ، وتتساقط المسلَّمات
، ويُصبح الوجود الإنساني على المِحَك . وهي قصيدة حداثية واسعة التأثير ، لَم
يُفلِت مِن تأثيرها أيُّ شاعر ، سواءٌ في الشرق أَم الغرب . وقد أصبحت علامة فارقة
في الأدب الحديث رغم غموضها، وغرابتها،وتشاؤمها،وكثرة رموزها وأساطيرها ، وتعدُّد
أساليب بنائها، إِذْ يتغيَّر الساردُ بشكل مفاجئ. والكلام ينتقل من النبوءة إلى
السخرية . وتُعتبَر " الأرض الخراب " مِن أهم وأصعب القصائد في تاريخ
الأدب الإنجليزي والعالمي لِعدة أسباب، مِنها: 1_ الاعتماد على عشرات الأعمال
الأدبية . 2_ وجود إشارات تضمينية إلى عشرات المؤلفين ، أغلبها فوق مستوى ثقافة
القُرَّاء . 3_ الحالة النفسية السوداء التي تُسيطر على ألفاظ القصيدة ومعانيها.
4_ تحوُّل الكآبة إلى فلسفة شِعرية قائمة بذاتها. 5_ عدم تقديم حلول لقضية تدهور
الحضارة الغربية . 6_ تحتوي على أبيات بعدة لغات ، مِنها : الفرنسية والألمانية
والإسبانية والهندية . وكأنَّ الشاعر يَستعرض عضلاته اللغوية ، ويُريد إظهار
معرفته بهذه اللغات لإبهار القارئ وصَعقه ، وإحداث صدمة ثقافية في نفْسه .
اتَّجه إليوت إلى كتابة المسرحيات الشعرية
ذات الطابع الكوميدي.وغالبًا، تنتهي مسرحياته بنهايات تصالحية ، حيث لا غالب ولا
مغلوب . وكان يشعر بعد كتابة " الأرض الخراب " برغبة في شكل أدبي جديد
وأسلوب جديد .
قَدَّمَ إليوت إسهامات مهمة في مجال النقد
الأدبي ، خصوصًا النقد الحديث الذي دعا إليه في كُلِّ كُتبه ومحاضراته . ورغم
أنَّه قَلَّلَ من عمله كناقد ، واعتبرَ أعماله النقدية كتابةً على هامش مشروعه
الشعري ، إلا أنه يُعتبَر من كبار النُّقاد في القرن العشرين .
ومشروع إليوت النقدي يقوم على عدة أفكار
مركزية تُمثِّل أركان مدرسة النقد الحديث من وجهة نظره. مِن أبرزها: 1_ضرورة أن
يُفهَم الفن ضمن سياق الأعمال الفنية السابقة.2_ محاكمة الفنان أو الشاعر بمقاييس
الماضي . 3_ القصيدة تَعني ما تَقوله لكنها تقترح وجود أحكام أخرى مبنية على تعدد
القراءات المختلفة . 4_ احتقار الرومانسيين خصوصًا الشاعر الإنجليزي شيلي ،
والتركيز على الكلاسيكية والأفكار الدينية . 5_ إحياء الاهتمام بالشعراء الميتافيزيقيين ، باعتبارهم الأكثر خبرة في
عملية دمج الفلسفة مع الأحاسيس. 6_ الاهتمام بمصطلح"الْمُعَادِل
الموضوعي"، وهو مصطلح نقدي يُشير إلى الأداة الرمزية المستخدمة للتعبير عن
المفاهيم المجرَّدة كالعواطف . 7_ ضرورة أن يصنع الشاعر شخصيته الفريدة من خلال
عمله الشعري .
من أبرز أعماله الشعرية : الأرض الخراب ( 1922) . الرجال الجوف ( 1925) . أربعاء الرماد(1930). ومن أبرز مسرحياته: جريمة في الكاتدرائية(1935) . لَم شمل العائلة ( 1939). حفلة كوكتيل ( 1949) . ومن أبرز كُتبه النقدية : الغابة المقدسة ( 1920) . ملاحظات نحو تعريف الثقافة ( 1948) . في الشعر والشعراء ( 1957) .