وُلد
الفيلسوف الفرنسي _ البلغاري تزفيتان تودوروف ( 1939_ 2017 ) في مدينة صوفيا
البلغارية . غادرَ إلى فرنسا لاجئًا سياسيًّا عام 1963 ، وعاشَ فيها حتى وفاته .
كتب
عن النظرية
الأدبية ، وتاريخ الفكر، ونظرية الثقافة واهتمَّ بالنقد الأدبي ، ولفت الأنظار مِن
خلال كتابه الأول " نظرية الأدب ، نصوص من الشكلانيين الروس " ( 1965 )
. ثُمَّ جاء كتابه " الأدب والدلالة " ( 1967 ) الذي ساهمَ في شُهرته كمُفكِّر
وباحث ، وخوَّله الالتحاق بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي عام 1968. ومِن
خلال هذه المؤسسة العريقة، تكرَّست شُهرة تودوروف، وذاعَ صِيته خلال عَقْد
السبعينيات ، كواحد مِن أبرز أقطاب المدرسة البنيوية في النقد الأدبي .
ركَّزت اهتمامات تودوروف التاريخية حول
قضايا حاسمة مِثل:غزو الأمريكيتين، ومعسكرات الاعتقال النازية، والستالينية. كما
تناولَ موضوع التأثير السياسي على الحريات الفردية. وعمومًا ، يُعَدُّ تودوروف
واحدًا مِن أهم مُنظِّري الفكر النقدي ذي النَّزعة الإنسانية .
عمل تودوروف أستاذًا زائرًا في عِدة جامعات
، منها هارفارد ، وييل ، وكولومبيا . وحصل على جائزة
الأكاديمية الفرنسية ، وجائزة أمير أستورياس للعلوم الاجتماعية .
يُعتبَر أعظم إسهام لتودوروف ، هو إنشاء
نظرية أدبية جديدة ، عرضها في أكثر من كتاب، وبالتحديد في كتابه " مدخل إلى
الأدب العجائبي " ( 1970 ) .
في
كتابه " الحياة المشتركة " ( 2001 ) ، أكَّد على مقولة أن
الإنسان كائن اجتماعي ، وتساءلَ عن عواقب هذا الإقرار العادي ، بعدم وجود أنا مِن
دون أنت، وبالنسبة إلى الفرد، أين يكمنُ الإكراهُ في ألا يشهد سوى حياة مشتركة .
وقد بيَّن أن الفلسفة تُحاذي التحليل النفسي ، والأعمال الأدبية تُساند الاستيطان
، كما بيَّن أن الكائن البشري مَحكوم بالنقص، وأنه يتوق إلى الاعتراف به ، وإن
ذاته _ حتى في العزلة _ مصنوعة من العلاقات مع الآخرين . ووضَّح معنى السعادة من وجهة نظره : نحن
سعداء لأننا نحب، ونحب لأننا لا نوجد من دون الحب، فسعادتنا تتوقف حصرًا على
الآخرين ، الذين بيدهم أيضًا أدوات تدميرها .
معَ بداية الثمانينيات، ابتعد تودوروف
تدريجيًّا عن النقد الأدبي ، واتَّجهت اهتماماته نحو مجالات الفلسفة وعلم الاجتماع
والأنثروبولوجيا وتاريخ الأفكار .
تميَّزت مؤلفات تودوروف الفكرية بنزعة
إنسانية قائمة على منظور نقدي ، يُناقش المسلَّمات ، ويغوص في أعماق الفكر ، ولا
يَضرب على السطح . وقد دافعَ عن القيم الإنسانية في بُعدها العالمي الشامل ،
مُخَالِفًا بذلك دُعاة " النسبية الثقافية " ( كلود ليفي شتراوس ) .
لَم يقم تودوروف بتعظيم النموذج الغربي
وتمجيده . فقد حملت أعماله نقدًا واضحًا ومُعارضًا لهيمنة المركز الغربي ، الذي
يُدير ظهره للقيم والثوابت والحقوق والمبادئ الإنسانية ، التي يَزعم أنه حاميها
وحارسها ورافع لوائها في أنحاء العالَم . فالغربُ يَضرب بالقيم الإنسانية عُرض
الحائط ، كلما تصادمت مع مصالحه الوقتية ، وتعارضت مع مكتسباته المادية الآنية .
وقد تنبَّه تودوروف لهذا الأمر ، وركَّز على
نقد الحروب الاستعمارية الأوروبية في أكثر من كتاب ، ثُمَّ نَقَدَ _ لاحقًا _
الأنظمةَ الشمولية الدكتاتورية الغربية التي أفسدت النظامَ العالمي خلال النصف
الأول من القرن العشرين .
ومعَ بداية الألفية الجديدة ، وقف تودوروف
ضد مشاريع الهيمنة الأمريكية، من خلال مجموعة من المؤلفات والكتابات .
عُرف عن تودوروف ابتعاده عن الشأن السياسي
الآني ، وحرصه على عدم الخوض في الأحداث السياسية الراهنة. ومعَ هذا، فقد عارضَ
بشدة وبشكل علني سياسات الهيمنة الأمريكية، من منطلق أن " فرض الخير بالقوة
أخطر من كل الشرور" .
لذلك، عارضَ تودوروف تدخُّلَ حلف الأطلسي
لتفتيت ما تبقى من يوغسلافيا عبر فرض استقلال كوسوفو عن صربيا عام 1999. ودانَ
الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، وندَّد بالتدخل الأطلسي في ليبيا عام 2011
بِحُجَّة نشر الديمقراطية .
وقد فسَّر تودوروف النبرة النضالية غير
المعهودة التي تميَّزت بها مواقفه تلك، في حوار أدلى به لمجلة " لوبوان
" الفرنسية ، عام 2012 ، قائلاً : (( إننا ( في الغرب ) نشهد مُنذ عشرين سنة
مَدًّا تبشيريًّا يتمثل في الزعم بأننا نستطيع نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، عبر
فرضها بالقوة على الآخرين. وهذا، في نظري، أمر مُريب ومُثير للقلق )) .
مِن أبرز مؤلفاته : شاعرية النثر ( 1971 ) . فتح أمريكا ( 1982 ) . حول التنوع الإنساني ( 1993) . الأمل والذاكرة ( 2000 ) . الحديقة المنقوصة ( 2002 ) .