وُلد
الأديب الإنجليزي توماس هاردي ( 1840 _ 1928 ) في
بوكهامبتون العليا ، شرق دوركاستر في دورست
، إنجلترا . كان
والده معماريًّا وبَّناءً محليًّا . وكانت والدته ذات اطلاع فكري واسع ، وتَوَلَّت مهمة تعليم ابنها لغاية ذهابه إلى
المدرسة في بوكهامبتون في سن الثامنة، كما ذهب طيلة سنوات إلى أكاديمية السيد لاسر
للشُّبان الصغار في دوركاستر .
لَم تستطع عائلة هاردي تحمُّل نفقات دراسته
الجامعية،لذا توقف عن الدراسة في سن السادسة عشرة . قام بعدها بالتدرب لدى أحد
المهندسين المعماريين، قبل أن ينتقل إلى لندن عام 1862 ليدخل كلية
كينجز . تلقَّى
هاردي بعدها جوائز من المعهد الملكي البريطاني للمهندسين . لَم يشعر بالراحة في
لندن، نظرًا للطبقية المنتشرة آنذاك، وقرَّر أن يُكرِّس نفسه للكتابة . أنهى هاردي
عام 1867 كتابة أُولى رواياته " الرجل البائس والسيدة النبيلة " ، لكنه
فشل في إيجاد ناشر للرواية . وقد عرضها على الأديب الفكتوري جورج ميريديث فقال إن تلك الرواية قادرة
على أن تمنع هاردي من نشر أي عمل مستقبلاً بسبب الجدل السياسي الذي من شأنها أن
تثيره ، وأخذًا بهذه النصيحة، قرَّر هاردي ألا يحاول نشر الرواية أبدًا ، حتى إنه
قام بتدمير مخطوطاته التي كتبها بيده لمحتوى هذا العمل.قام هاردي بعدها بكتابة
روايتين جديدتين : " العلاجات الميؤوس منها " ( 1871)، و"تحت
الشجرة الخضراء " ( 1872 ) . ونُشِرت كلاهما تحت اسم مجهول . وفي عام 1873 ،
كتب هاردي رواية"زوج من العيون الزرقاء " تُصوِّر علاقته مع زوجته
الأولى. وقد نُشِرت الرواية تحت اسم " توماس هاردي " .
في روايته " بعيدًا عن الحشد الصاخب " ( 1874 ) ، تناولَ
هاردي لأول مرة فكرة المنطقة الخيالية في غرب إنجلترا المسمَّاة
" ويسكس "، وهو اسم إحدى المملكات الساكسونية القديمة
تقع تقريبًا في نفس المنطقة من إنجلترا . حقَّقت
هذه الرواية نجاحًا سمح لهاردي بالتخلي عن عمله كمهندس، وأن يواصل مسيرته الأدبية
. وخلال 25 سنة القادمة سيقوم هاردي بكتابة ما يزيد عن عشر روايات . قُوبلت روايته
" جود الغامض " ( 1895 ) بردود فعل سلبية بسبب تناولها لمواضيع مثيرة
للجدل تخص الدين والجنس والزواج . حتى إنها أثارت مخاوف زوجته الثانية مِن أن تتم
قراءة الرواية كسيرة شخصية لزوجها. اضْطُر بعض الباعة لبيع الرواية في أكياس ورقية
حتى لا يتم التعرف عليها، في حين قام رئيس أساقفة ويكفيلد
بحرق نسخة من الرواية .
في عام 1898 ، نشر هاردي أول كتاب أشعار ، تحت
عنوان " أشعار ويسكس " ، وهي مجموعة أشعار كتبت على مدى ثلاثين
عامًا.وخلال القرن العشرين قام هاردي بنشر كتاب شعري واحد فقط . كتب هاردي في
أشكال شعرية مختلفة بما في ذلك الشعر الغنائي والهجاء والمونولوج الدرامي والشِّعر الحواري. كما كتب
أشعارًا عن حروب البوير والحرب
العالمية الأولى. وكان لأشعاره تأثير عميق على شعراء الحرب الآخرين .
ورغم أن أشعاره في البداية لَم تُحقِّق نفس
النجاح الذي حقَّقته رواياته، إلا أن هاردي يُعتبَر حاليًّا واحدًا من أعظم شعراء
القرن العشرين،وأشعاره أثَّرت بشكل عميق على كثير من الكُتَّاب.
يُعتبَر هاردي واحدًا مِن أهم الكُتَّاب
الواقعيين من العصر
الفكتوري،وكان متأثرًا بالرومانسية، وقد قام بدراسة التناقضات الاجتماعية في حياة
مَن يعيشون في إنجلترا الفكتورية، وانتقد أوضاع المجتمع الفكتوري ، كما انتقد
الآراء والمعتقدات السائدة في ذلك العصر، خاصة فيما تعلق منها بالزواج، والتربية
والدِّين . هذه المعتقدات التي خنقت حياة الناس ، وسبَّبت لهم التعاسة والمعاناة،
وكانت المحور الرئيسي لأعمال هاردي . كما عُرف أيضًا بوقوفه ضد القواعد الاجتماعية
التي تَفْصِل مختلف طبقات المجتمع .
وأغلب أحداث أعمال هاردي تدور في ويسكس ،
إقليم من نسج خيال الكاتب ، تُصارع فيه مجموعة من الشخصيات أقدراها وظروف الحياة .
في عام 1910 نال هاردي وسام ميريت، ورُشِّحَ
لنيل جائزة نوبل للآداب ، ولكنه لَم ينلها.
تُوُفِّيَ هاردي بسبب مرض التهاب الجنبة ، ودُفِن في زاوية الشعراء في دَير وستمنستر . وبعد وقت قصير من وفاته، أُحْرِقت رسائله وكُتب ملاحظاته ، لكن 12 وثيقة نجت من عملية الحرق، تحتوي ملاحظات وقصاصات لقصص منشورة في الصحف تعود لعشرينيات القرن التاسع عشر، والأبحاثُ التي أُجْرِيت حول هذه الأخيرة أكَّدت أن هاردي استعملها في أعماله .