وُلد الفيلسوف
الأسكتلندي توماس ريد ( 1710 _ 1796 ) في أبردين ، وتخرَّج في جامعتها، ثم عُيِّن
أستاذًا فيها ، ثم في جامعة غلاسكو .
كان ريد متمرسًا دينيًّا ، ومعاصرًا لديفيد
هيوم، ومن أوائل وأشد نُقَّاده . وهو مؤسس مدرسة الإدراك الفِطري في الفلسفة . حيث
إنه وضع نظرية فلسفية تقوم على مبدأ " الإدراك الفِطري " أو الحس العام
في معالجتها للقضايا الإبستمولوجية والأخلاقية .
وخلاصة نظريته أننا نُدرِك حقائق الأشياء الخارجية إدراكًا سليمًا بفِطرتنا ،
والمعرفة التي تجيء عن هذه الطريق واضحة بذاتها ولا تحتاج إلى بُرهان.أمَّا فلسفته
الْخُلُقية فقائمة على أساس الضمير الذي يُدرِك الفضيلة بحدس مباشر.
رفض
الميتافيزيقا كغيره من فلاسفة التجربة الإنجليز ، بحجة أن قضاياها غير قابلة للحل،
واكتفى بفلسفة واقعية ضمَّنها كتبه الثلاثة الرئيسية : 1_ بحث في العقل البشري على
مبادئ الذوق العام ( 1763 ) . 2_ مقالات في قوى الإنسان العقلية ( 1785 ) . 3_
محاولات في القوى الفاعلية ( 1788 ) .
رأى ريد أن الإدراك الفِطري يجب أن يكون هو
القاعدة الأساسية التي تقوم عليها كل أشكال التحقيقات الفلسفية . اختلف مع هيوم
الذي أكَّد على أنه ليس من الممكن إطلاقًا التعرف على مُكوِّنات عالَم خارجي ،
وذلك لأن المعرفة محدودة بأفكار في العقل . كما اختلف ريد مع جورج بيركلي القائل
بأنه لا وجود لعالَم خارجي ، وإنما هو مُجرَّد أفكار عقلية . على العكس ، فإن ريد
رأى أن الإدراك الفِطري كفيل بإثبات وجود عالَم خارجي مستقل .
خلال أيام حياته ، ولمدة مُعيَّنة في القرن
التاسع عشر الميلادي، كان توماس ريد أكثر شهرة
وصِيتًا من ديفيد هيوم . أيَّد ريد ودافعَ عن " الواقعانية
المباشرة" و "الواقعانية الإدراكية الفِطرية" كما أنه عارض وبشدة
" نظرية المثُل" التي روَّج لها جون لوك، وديكارت .
قامت فلسفة ريد على نقد ومعالجة عيوب فلسفات لوك وبيركلي وهيوم، فعارضَ شَكِّية هيوم بيقين "
الإدراك الفِطري " أو " الحس المشترك " . ففي كتابه " مقالات
في قوى الإنسان العقلية " والذي عرض فيه نظريته في المعرفة، رأى أن معتقدات
الإدراك الفِطري تستحق الثقة أكثر من حُجَج الشُّكَّاك ، على الرغم من أهمية الشك
بوصفه محاولة لتسليط الضوء على مبادئ المعرفة التي يتم التسليم بها عادة ، إلا أن شكِّية هيوم _
على سبيل المثال _ خطيرة جدًّا على الصعيد المعرفي، فمعتقدات الذوق الفطري_
كقوانين المنطق والسلوك _ يتضمَّنها ومتأصلة في الطبيعة البشرية، إنها " صوت الطبيعة، هذا اليقين القاهر الذي عبثًا يحاول
المرء معارضته " .
والذوق
الفِطري لا يُكتسَب بالتربية، فهو قوة بديهية طبيعية يتعلم المرء بوساطتها
الاستدلال السليم، وجميع مبادئه بيِّنة بالفِطرة ومقبولة عند جميع الناس ، وقضاياه
نموذج للتعبير الواضح والصريح .
لقد ميَّز ريد بين حقائق الإدراك الحسي
والإدراك العقلي، فبيَّن أن اليقين في الحقائق التجريبية يزداد فاعلية بفعل
التجربة، أمَّا يقين المبادئ العقلية فثابت لا يتغير، والمرء يُسلِّم بهذه الحقائق
لأنها مشتركة بين الجميع .
ومِن الحقائق البيِّنة بالفِطرة وَعْي المرء
بإحساساته الخاصة التي تُفصِح عن موجود يُسمَّى الأنا، والذاكرة تدل على وجود
مُتَّصل . ومبادئ الأخلاق مبادئ فِطرية واضحة بذاتها، تقوم على الحس المشترك،
فالخيرية والشَّرية صفات قائمة في طبيعة الأفعال ذاتها، وأنها تُدرَك بحدس فِطري
يقيني مباشر ينفي حاجة الناس إلى حاكم مُطْلق يقوم بتحديد الخير والشر والعودة إلى
الضمير . الحاكم الخلُقي على أفعال البشر ، بوصفه قوة فِطرية يُشارك فيها الناس في
كل زمان ومكان . وعن طاعة الضمير تنشأ السعادة، ولا تقوم بمجرَّد اللذة، فالطبيعة
البشرية مُؤلفة من عواطف ومشاعر ، لكنها تخضع في عملها لسيطرة العقل ، وحتى وجود
الله لا يحتاج إلى بيِّنة ، فإدراكه إدراك فِطري .
سادت فلسفة توماس ريد ردحًا من الزمن ، وكانت منارة الفكر الأسكتلندي ، وذات تأثير واضح على الفلسفات الأخلاقية . وقد قُدِّر لفلسفة الإدراك الفِطري، بعد أن خبت أنوارها في القرن التاسع عشر ، أن تنهض ثانية على يد الفيلسوف جورج مور ، خاصة في مقالته المشهورة " في الدفاع عن الذوق الفِطري " .