وُلدت الروائية
الألمانية هيرتا مولر ( 1953_ ... ) في غرب رومانيا لوالدين من أقلية تتحدث
الألمانية . كان والدها في الحرس الخاص النازي خلال الحرب العالمية الثانية ، وقام
الشيوعيون الرومانيون بترحيل والدتها إلى معسكر اعتقال في الاتحاد السوفييتي بعد
الحرب .
طُردت مولر من أول عمل لها كمترجمة بعد أن
رفضت العمل لحساب الشرطة الخاصة التابعة للدكتاتور السابق نيكولاي تشاوشيسكو .
وقَرَّرت تكريس حياتها للأدب . ومنعت الرقابة في النظام الروماني مجموعتها القصصية
القصيرة الأولى ، التي صدرت عام 1982 تحت اسم "نيدرونغين"، ونُشرت
بالإنجليزية تحت اسم "ناديرز". ولَم تُنشَر بشكل كامل إلا بعد عامين في
ألمانيا إثر تهريبها إلى خارج البلاد .
تُجسِّد أعمالها الظروف القاسية للحياة في
رومانيا تحت حُكم نظام تشاوشيسكو الاستبدادي الذي انتهى بثورة شعبية عليه ومحاكمته
هو وزوجته وإعدامهما ، كما تُصَوِّر الاضطهاد الذي تعرَّضت له الأقلية الألمانية
التي تنتمي إليها على يد القوات السوفييتية .
وتتحدَّث مولر الألمانية لغتها الأم بطلاقة،
وتخصَّصت في الدراسات الألمانية والأدب الروماني في جامعة تيمشوارا. وعملت معلمة
في روضة للأطفال ، وكانت تُعطي دروسًا خصوصية في اللغة الألمانية .
ومِن الأحداث المهمة في حياتها ، والتي
شَكَّلت انعطافة كبيرة في مسيرتها الإبداعية ، وكانت الأساس الذي طالما
وَظَّفَتْهُ في كل أعمالها بصور عديدة للخوف من القمع والاضطهاد ، تلك الحادثة
التي ذكرتها كل الكتابات التي تناولت سيرتها الذاتية. ففي السبعينيات عملت لمدة
ثلاث سنوات في مصنع للجَرَّارات الزراعية، وكانت وظيفتها هي ترجمة الأدلة الفنية
التي تَمَّ إحضارها من ألمانيا الشرقية والنمسا إلى اللغة الرومانية. كان زملاؤها
ورؤساؤها مُخبرين في الشرطة السرية. ومن أجل البقاء في وظيفتها كمترجمة كان لا بُد
مِن أن تُصبح عنصرًا في الاستخبارات السرية لضمان ولائها وتعاونها ، ولكنها رفضت
فَتَعَرَّضت للفصل من العمل بعد ثلاث سنوات، وللتهديد حيث أخبرها رئيسها بأنك
"سوف تندمين، سنغرقك في النهر " . وبعد هذه الحادثة تركت مولر بلدها خوفًا من الاضطهاد
وانتقلت الى برلين . صارت تُجسِّد في كتاباتها مسألة الاغتراب ومحنة النفي السياسي
.
يمتاز أسلوب مولر في القصة والرواية بالنثر
الشاعري، حيث يتحول النص إلى ما يُشبه قصائد نثرية تعكس أجواء الخوف الذي يسكن
أعماق شخصياتها . ويَتَّسم أدبها بإحساس رقيق في اللغة سواء أكان نثرًا أَم
شِعْرًا، كما تنظر بعين أمينة الى حد القسوة الباردة نحو تفاصيل الحياة في رومانيا
الشيوعية، غير أن النقاد يأخذون عليها صعوبة أسلوبها، حيث أن متابعة تسلسل السرد
في قصصها ليس بالأمر السهل على القارئ إدراكه . كما أنها يُؤخذ عليها اهتمامها
بنقل الصورة من خلال اللغة والوصف أكثر من الحدث ذاته، ويتحول الوصف الأمين
أحيانًا إلى جو من الكآبة .
تَحَدَّثت مولر عن نفي
الرومانيين الألمان إلى الاتحاد السوفييتي في روايتها " أرجوحة النفس"
التي صدرت في 2009 . وقد فَرَّت مولر مِن رومانيا إلى ألمانيا عام 1987بعد أن
مُنعت مِن نشر كتاباتها في بلادها، وبعد ذلك تم اكتشافها بشكل كامل في عالم الأدب
.
مِن أشهر رواياتها "جواز السفر" (
1986) ، و"الموعد " ( 2001) ، وتصف القلق الذي تعيشه امرأة بعد أن
استدعتها مديرية أمن الدولة . وذَكَرَ رئيس بلدية قرية نيتشدورف التي تتحدَّر منها
مولر أن المنزل الذي وُلدت فيه أصبح الآن مِن أملاك الدولة ، لكنها لا تزال تملك
أرضًا ورثتها هناك رغم أنها لَم تزرها مطلقًا. وقد وصفت مولر الدكتاتور الروماني
السابق تشاوشيسكو في مقال نشرته صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" عام 2007
بأنه " مُحْدَث نِعمة يستخدم الصنابير وأدوات الطعام المصنوعة من الذهب كما
أن لديه ضعفًا خاصًّا تجاه القصور " .
وقالت إن رومانيا أُصيبت "بفقدان
الذاكرة الجماعي" لماضيها القمعي . وقالت إن سكان رومانيا "يتظاهرون بأن
ذلك الماضي اختفى ، وأن البلاد جميعها مُصابة بفقدان الذاكرة الجماعي"،
وأضافت إن رومانيا كانت مأوى لأعتى الطغاة في شرق أوروبا وأكثرهم شَرًّا بعد
ستالين ، وقد خلق تشاوشيسكو لنفسه صور بطل توازي ما يحدث في كوريا الشمالية .
حصلت مولر على جائزة نوبل للآداب عام 2009 ،
لتكون المرأة الثانية عشرة التي حصلت على الجائزة بهذا الفرع منذ إطلاقها عام
1901.
قالت لجنة حُكام جائزة نوبل للآداب: (( إنها
كاتبة عكست حياة المحرومين بتركيز لغة الشِّعر، وصِدق ووضوح لغة النثر )) .