وُلِد الشاعر
الإنجليزي الأمريكي ويستن هيو أودن ( 1907_ 1973 ) في مدينة يورك، شمال إنجلترا،
وهو الابن الثالث لطبيب معروف. في عام 1908 شغل والده منصب المفتش الطبي، وأستاذ
الصحة العامة في جامعة برمنغهام . هذه الخلفية العلمية أثَّرت في وعي الطفل
باكرًا، إذ كان يقرأ في كُتب أبيه ، ثم يتباهى أمام زملائه بالمعلومات الغريبة
التي كان يحفظها غَيْبًا .
تلقى أودن تعليمه في جامعات خاصة عِدَّة ،
قبل أن يلتحق بجامعة أكسفورد. خلال أعوامه الثلاثة الأولى في الجامعة،بدأ بكتابة
قصائده الأولى،وجمع أفضلها في ديوان سَمَّاه قصائد ( 1928).وذاع صِيته، حينئذ،
كمثقف يساري، يُسوِّق لنظريات ماركس وفرويد. وقد رفض إليوت في البَدء نشر كتابه
الأول، في دار فابر آند فابر، التي كان يعمل مديرًا لها. وفي الطبعات اللاحقة، قام
أودن بمراجعات قاسية لهذه القصائد، مُعَدِّلاً الكثير منها. وقامت دار فابر نفسها
بنشر معظم كتبه لاحقًا، بَدْءًا من ديوان " الخطباء " ( 1930 ) ، ثم
ديوان " إسبانيا " ( 1937) الذي شَهِدَ تَحَوُّلاً نوعيًّا في فكر أودن
، الذي راح يُشكِّك بالتزامه بالماركسية، بعد مساندته للجمهوريين في الحرب الأهلية
الإسبانية .
بعد هذا التَّحَوُّل في الرؤيا، ظهر ديوانه
" على هذه الجزيرة " ( 1937) ، ثُمَّ ديوان " وقت آخر " (
1940) ، الذي وظَّف فيهما أودن استعارات مضغوطة ومُكثَّفة، وبدا فيهما الهاجس
السياسي أخف وطأة. ظهر ديوانه " الرجل المزدوَج " ( 1941)، وأعقبه
ديوان" في هذه الأثناء " ( 1944) الذي ضَمَّ قصيدتين طويلتين هُما
" في هذه الأثناء " و " البحر والمرآة "، التي تُسلِّط الضوء
على انكفاء أودن إلى الكاثوليكية ، وتحوُّله بالتدريج إلى مُفكِّر دِيني، تحت
تأثير فلسفة كيركغارد . وتُعتبَر قصيدة " البحر والمرآة " دراما رمزية
آسرة ، يستلهم فيها الشاعر شخوص مسرحية شكسبير " العاصفة " . أمَّا
ديوانه " عصر القلق " الصادر عن دار فابر ، عام 1947، فنال جائزة
بوليتزر المرموقة للشِّعر ، وتلاه ديوان " ترس أخيل " ( 1956)، ثُمَّ
ديوان " حول المنزل " ( 1965) الذي بدا فيه أودن أكثر نضجًا على الصعيد
الفني، وقدَّم قصائد عالية الإتقان والذكاء، تصف منزله في فيينا. ثُمَّ ظهر ديوان
" مدينة بلا جدران " ( 1969) ، وحصل على جائزة كتاب الشِّعر الوطني ، في
بريطانيا . تلاه، بعد وفاته، ديوان " شُكْرًا للضباب " ( 1974) الصادر
عن دار راندوم هاوس .
بعد تخرُّجه في جامعة أكسفورد عام 1928،
سافر أودن إلى ألمانيا، وكانت تلك بمثابة البداية لسلسلة رحلات رفدت أشعاره بروح
الكشف والمغامرة. فمعظم قصائده تُحيل إلى رحلة ما، في الزمان والمكان والثقافة،
وتكشف عن نزوع للتغيير. في برلين، الأكثر ليبرالية من لندن، تعرَّف أودن على
نظريات عالم النفس الأمريكي هومر لين، التي تركت أثرها في بعض قصائده .
تزوَّج أودن عام 1935 مِن ابنة الكاتب
الألماني توماس مان، التي لَم يلتقِ بها إلا في يوم زفافه، وغاية الزواج هو حصول
هذه الأخيرة على جواز سفر بريطاني . لكنهما سُرعان ما افترقا .
خلال حقبة الثلاثينيات والأربعينيات، استطاع
أودن أن ينتزع الاعتراف به كأحد أهم شعراء جيله. وفي عام 1939 غادر إنجلترا إلى
الولايات المتحدة الأمريكية، وقرر المكوث هناك بشكل نهائي. وأصبح مواطنًا
أمريكيًّا في عام 1946 .
كتب أودن النثر والشِّعر والدراما والأوبرا
بروح جمالية عالية، ولَم يكن لينافسه أحد من أبناء جيله، واحتل مركزه كأحد أكبر
الشعراء الإنجليز في عصره، وإن أَخَذَ عليه خصومه استلهامه نزعة ميتافيزيقية
متعالية في شعره المتأخِّر، ما أفقده بعضًا من نضارته ووهجه. لكن أودن ظل حريصًا
على جَذوة الشَّك التي ميَّزت قصائده الأولى. إذ لطالما شَكَّكَ كعاشق، بديمومة
الحب، حتى في أكثر قصائده عاطفيةً ، ولطالما شَكَّكَ بجدوى الشِّعر ذاته، حتى في
أوج شعوره بالمتعة الفنية .
ورغم أن الكثير من قصائده تَبَنَّت قضية
التغيير ، واستشرفت الكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية ، إلا أن أودن بقي
مُصِرًّا على أن الشعر لا وظيفة له خارج دائرة كَونه شِعْرًا .