وُلد الأديب الدنماركي يوهانس فِلهِلم ينسِن
( 1873_ 1950) في فارسو ، وهي قرية في شمال جوتلاند بالدنمارك . وتُوُفِّيَ في
كوبنهاجن . كان والده طبيبًا بيطريًّا .
يُعتبَر ينسِن أول كاتب
دنماركي كبير في القرن العشرين. وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1944.
اتَّجه في بداية حياته لدراسة
الطب ، لكنه اضْطُر إلى ترك دراسته بسبب ظروفه المادية الصعبة. وتوجَّه إلى عالَم
الكتابة والأدب . تزوَّجَ عام 1910 ، واستقر في كوبنهاجن لعدة سنوات، لكنه كان
مُحِبًّا للسفر ، فزار معظم بلاد العالم ، ونشر عددًا من الروايات المسلسَلة باسم
مستعار، وعمل مُراسلاً للصحف في إسبانيا وأمريكا .
تُعتبَر روايته "
الدنماركيون " ( 1898 ) أول عمل ينشره باسمه الحقيقي ، وقد عرَّفت القُرَّاءَ
بِه ، وأسَّست لعلاقة متينة بينه وبين مُتابعي الأعمال الأدبية . ثُمَّ أتبعها في
نفس العام برواية " حكاية سكان هيمرلاند " التي تُمثِّل ميلادَه الأدبي
الحقيقي ، وبداية شُهرته العالمية .
كان ينسن كاتبًا غريب الأطوار،
ومُثيرًا للجدل في الحياة الثقافية الدنماركية ، فهو مَعروف بجداله المتهور،
وأُطروحاته الفكرية الغريبة، وأفكاره التي تعتريها الشكوك والعنصرية ، ومعَ هذا ،
فلم يُظهِر أية ميول فاشية أو مُعادية للأجناس والأعراق .
ولا يزال ينسن حتى يومنا
الحالي ، يُعتبَر الأب الروحي للحداثة الدنماركية ، خصوصًا في مجال الشِّعر
الحديث. فقد كتب قصيدةَ النثر، وعُرف بأسلوبه القائم على استخدام اللغة الحية
والمباشرة، وامتازت أعمالُه الأدبية بتصوير تطور الفرد كجزء من التطور العام
للبشرية والحضارة .
إن اسم الكاتب ينسن يرتبط
دائمًا بروايته الملحمية العالمية " سقوط الملِك " ( 1933) التي كانت
السبب الرئيسي لفوزه بجائزة نوبل للآداب . وتَمَّ اختيار هذه الرواية أفضل رواية
دنماركية في القرن العشرين ، وذلك في استفتاء نظَّمته الصحافة الدنماركية عام
1999.
وهذه الرواية التاريخية تتحدث
عن وقائع تاريخية مُتخيَّلة بأسلوب رمزي مُبطَّن ، حيث تظهر التناقضات الإنسانية ،
وتبرز الإشكاليات التاريخية ، وتتكشف تفاصيل الحياة وطبيعة حركتها في الزمان
والمكان . وتظهر الشخصيات التي لعبت دورًا محوريًّا في كشف خيوط اللعبة الإنسانية
والتاريخية _ إِن جاز التعبير _.
والروايةُ تُمثِّل سيرة
تاريخية رمزية مُتخيَّلة لزمن الملوك والقياصرة، حيث يتمُّ تسليط الضوء على شخصية
الملِك كريستيان الثاني ، أحد ملوك الدنمارك في القرن السادس عشر .
تقوم الرواية على فكرة المزج
بين الواقعية النقدية والواقعية الشاعرية ، وضمن هذا الخليط الرمزي ، يتَّضح مسارُ
حياة هذا الملِك ومصيرُه ، وتظهر مشاعره وأحلامه وانكساراته ولحظات ضَعفه . كما
تتناول الروايةُ أحوال الدنمارك بعد تمرد الشعب السويدي على الاحتلال الدنماركي في
ذلك الوقت .
وهنا يتَّضح مبدأ التحليل
الرمزي ، ومحاولة إسقاطه على تفاصيل الواقع . كما تتَّضح الدلالات الفلسفية
العميقة التي تحكم العلاقات الإنسانية ، وتتحكم بالعلاقات بين الدول والشعوب .
قدَّم الكاتب رؤيته التحليلية
للإشكاليات النقدية المتعلقة بثقافة عصر ما قبل الحداثة ، وصَوَّرَ مراحل التطور
الإنساني كجزء من منظومة تطور البشرية على جميع الأصعدة .
إنَّ هذه الرواية العالمية
تكمن قُوة تأثيرها في الأفكار الكامنة بين السطور ، وصُوَرها الفنية متعددة
الطبقات والدلالات،والأزمات الإنسانية الوجودية،والعلاقات الدولية المنكسرة
والمتشظية، واستحضار التاريخ ، وإعادة صياغته فلسفيًّا ورمزيًّا وخياليًّا ، من
أجل إثبات حقيقة أن الرموز السُّلطوية تظل باقية في كُل زمان ومكان .