وُلد الشاعر التشيكي
ياروسلاف سيفرت ( 1901_ 1986) في العاصمة براغ ، لأسرة عُمَّالية. والدته
كاثوليكية مُتحمِّسة ، ووالده مناضل اشتراكي .
عَرف سيفرت
_ خلال سنوات حياته الأولى تحت الإمبراطورية النمساوية المجرية _ الفقرَ الذي ضرب
عائلته ، كحال جميع سكان الأحياء العُمَّالية في براغ ، وخاصَّة ( حي جيجكوف ) ،
حيث وُلد. لهذا له مكانة بارزة في التَّشكل الاجتماعي، كما أنه عالَم البؤس
والاستغلال والخطيئة، وأيضًا ، عالَم الطبقة العاملة والمراقص الشعبية والحانات .
وعلى الرغم
مِن إرادة والديه _ اللذين كان يُحبهما بإخلاص _ ، غادرَ الثانوية قبل حصوله على
البكالوريا، لِيُخصِّص وقته للشِّعر والثورة الاشتراكية ، التي هَزَّت العالَمَ
بعد انحدارها من الحرب العالمية الأولى.وفي الثامنة عشرة من عُمره، بعد أن شاركَ
لفترة قصيرة في الحركة الفوضوية، نشرَ أُولى قصائده في صحيفة " حق الشعب"
الاشتراكية الديمقراطية .
في عام
1921، نشرَ أول دواوينه " مدينة الدموع "، يَوْمها كان يَعتبر نفسه
شاعرًا بروليتارِيًّا، وهي لافتة جُمع تحتها العديد من كبار الشعراء في عشرينيات
القرن العشرين .
عَبَّرَ في
قصائده عن موقفه البروليتاري مِمَّا يجري حوله ، وعن تطلعاته الثورية . أمَّا في
ديوانه الثاني " حُب بِحُب " ( 1923) ، فقد امتدحَ التطور التقني
الحضاري التشيكي ، واللذة الحِسِّية، والسَّفر إلى أمكنة بعيدة مجهولة، وجماليات
تفاصيل الحياة اليومية . وشَكَّلَ هذا الديوان على صعيد الشكل والمضمون نقلةً
نوعية في شِعر سيفرت نحو المذهب الشِّعري ، الذي تجلى في ديوانه " على مَوجات
الأثير " ( 1925) .
وبعد إقامته
مدة عام تقريبًا في الاتحاد السوفييتي السابق ، نشرَ في عام 1926ديوان "
غِناء عندليبك لا يُطرِب " ، الذي تناولت قصائدُه مسائل اجتماعية شائكة ،
أدَّت إلى جانب مواقفه السياسية المنفتحة على الآخر ، إلى طرده من الحزب الشيوعي
التشيكي عام 1929.
وفي دواوينه
اللاحقة ، مِثْل : " تفاحة مِن الغصن " ( 1933) . " وداعًا للربيع
" ( 1937)، التفتَ إلى موضوعات الوطن والطفولة وبيت الأسرة ، ولا سِيَّما
موضوع الأم ، ودور المرأة في بناء المجتمع. وبسبب مواقفه الصريحة من خطر النازية
على الوطن ، ومِن فاشية موسوليني وفرانكو، عادَ التقارب بينه وبين الحزب الشيوعي ،
ولكن إلى حين .
في أثناء
الاحتلال النازي لوطنه ، نشر سيفرت المجموعة الشِّعرية " مِرْوحة بوجني
نيمكوفي " (1940) ، التي أكَّدت قصائدها على الوَحدة الوطنية ، وعلى ضرورة
تَوطيد الثقة بالنَّفْس في مُواجهة الطغيان من أجل التحرير . وفي عام 1945، صدرت
له مجموعة " خُوذة مِن تراب " ، التي مَجَّدَ في قصائدها انتفاضة مدينة
براغ ، وتحرُّر بلاده من الاحتلال النازي .
في أثناء
الستينيات ، نشر سيفرت " كونسرت في الجزيرة " ( 1965) ، و "
مُذنَّب هالي " ( 1967) ، اللذين حملت قصائدُهما الكثير من سمات السيرة
الذاتية بصدق حياتي مُؤثِّر وشعرية نفَّاذة ، فلُقِّبَ سيفرت " شاعر الأُمَّة
التشيكية " . لكنَّه عندما عارضَ غزو الجيش السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا عام
1968، لإسقاط ما سُمِّيَ آنذاك " ربيع براغ "، طُرد مُجَدَّدًا من
الحزب الشيوعي، وأُلْقِيَ عليه وعلى أعماله ستار من الصمت والتهميش ، مِمَّا دفعه
إلى نشر دواوينه الجديدة في ألمانيا الغربية . وقد هيمنت على دواوين السبعينيات
والثمانينيات موضوع الشيخوخة ومواجهة الموت ، كما في " عمود الطاعون " (
1981) ، و " أن تكون شاعرًا " ( 1983) .
حصل سيفرت
على جائزة نوبل للآداب عام 1984. ووَفْقًا لموقع جائزة نوبل الرسمي ، فقد حصل على
الجائزة : " لأشعاره التي تُغطِّيها العذوبة وثروة الابتكارة ، مِمَّا
يُقدِّم صورة مُتحرِّرة عن رُوح الإنسان وبراعته التي لا تُقهَر " .
ورأى بعضُهم
أن الجائزة تكريم لجيل طويل من أولئك الكبار في الشِّعر التشيكي الحديث . وكان
سيفرت الوحيد الذي لا يزال على قَيد الحياة بينهم. وفي بيان الجائزة ، جاءت عبارة
اللجنة على النحو الآتي : " أكبر شاعر وجداني خلال ألف سنة في الأدب التشيكي،
كما أنه مُعلِّم كبير مِن مُعلِّمي الشِّعر العالمي " .