وُلد الكاتب المسرحي
الأمريكي يوجين أونيل ( 1888_ 1953) في فندق متواضع في حي برودواي ، حيث كانت تقيم
العائلة إقامة مؤقتة . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1936.
كانت ولادة
أونيل على يد طبيب غير ماهر ، فَعُولِجت والدته بالمورفين وأدمنته . ولَمَّا
عَلِمَ في سن المراهقة أن والدته أصبحت مدمنة بسبب ولادته، شعر بالذنب ، وثارَ على
كُلِّ ما يُمثِّل السُّلطة ، خصوصًا الجانب الديني منها . وهذه الصدمةُ أدخلته في
حرب روحية مع نفْسه .
كان والده مهاجرًا أيرلنديًّا إلى الولايات
المتحدة ، حيث عمل فيها ممثلاً ومدير مسرح . تبع أونيل والده في جولاته ، وقضى
سنوات طفولته في غرف الفنادق، أو مسافرًا، أو منتظرًا خلف كواليس المسارح التي عمل
والده فيها ، فافتقد إلى الاستقرار ، إلا أن
المسرح كان جزءًا أساسيًّا من حياته . لَم يستطع أونيل إكمال دراسته بسبب
سفره المتواصل مع والده وفرقته المسرحية. وقد التحق بجامعة برنستون عام 1906 ثم تركها ساعيًا
للحصول على ما أسْماه" التجربة التعليمية الحقيقية". ثارَ أونيل على
والده ، فقد رأى الأشياء الرومانسية الزائفة التي جعلته يحتقر المسرح ، وحاولَ أن
يكتشف طريقَه الخاص بعيدًا عن والده، فعملَ بَحَّارًا، وقضى وقته يَتسكَّع في
الموانئ، وأدمنَ الكحول، وحاول الانتحار. ولَمَّا بلغ الرابعة والعشرين عمل
صحفيًّا، ونشر بعض القصائد. لكنه أُصيب بالسُّل ، واضْطُر أن يَقضيَ ستة أشهر في
مصحة . وهذه الفترة كانت فرصة له لِيُعيد حساباته ، وَيُصلِح نَفْسَه ، ويبدأ
الكتابة للمسرح . وكانت مسرحياته الأولى تمتلئ بالمومسات والمدمنين والبَحَّارة،
وتناقش قضايا : فقدان العدالة ، وغياب المساواة ، وانتشار الظلم الاجتماعي. التحق
بجامعة هارفارد عام 1914 ليدرس مادة الكتابة المسرحية على يد الناقد جورج بيكر،
وأعطته هذه الفترة فرصةً للتركيز في الكتابة . وفي عام 1916قامت فرقة مسرحية
تجريبية بتمثيل أُولى مسرحياته . وأعطته هذه المسرحية بعض الشهرة . وفي عام 1920
عُرضت مسرحيته الطويلة " وراء الأفق " على مسرح برودواي الشهير .
تُصَوِّر هذه المسرحية أخوَيْن يُحبان الفتاة نفسها، غَير أن أحدهما مُولَع بالبحر
والمغامرات . مَدَحَ
النُّقادُ الواقعيةَ المأساوية للمسرحية ، ونال أونيل جائزة بوليتزر عنها . وفي
السنوات التالية ( 1920_ 1943 ) كتب عشرين مسرحية طويلة ، فازدادت شُهرته ،
وارتفعت مكانته الأدبية ، خصوصًا في أوساط الجمهور
المسرحي . وأصبحت أعماله من أكثر الأعمال الأدبية ترجمةً وإخراجًا .
يُعتبَر أونيل المؤسس الحقيقي
للمسرح الأمريكي ، حيث قام بتطويره ليصبح جنسًا أدبيًّا قائمًا بذاته . واستطاعَ
من خلال مسرحياته تقديم مواضيع جديدة ، واستقطاب الجمهور والنُّقاد . كما يُعتبَر
من أوائل الكتاب المسرحيين الذي درسوا الصراع داخل عقل الشخصية بين البواعث
الشعورية والحاجات ، وساعده على ذلك دراسته لعلم النفس الحديث ، خصوصًا أفكار
فرويد .
وقَدَّمَتْ مسرحياته للدراما
الأمريكية تقنيات الواقعية ، وأظهرت الشخصيات في قاع المجتمع، وصَوَّرت الإنسان في
عصر التكنولوجيا، وكيفية تَحَوُّله إلى ضحية للآلة.وكل مسرحياته تقريبًا تتضمَّن
قَدْرًا من التراجيديا والتشاؤم والانكسار .
عَرف أونيل من خلال الوضع الذي
عاشه أحوالَ الطبقة السُّفلى من المجتمع ، عالم الفنادق وحانات البَحَّارة
الرخيصة. وتجاربه الشخصية كانت المادة الأولى التي استخدمها لكتابة مسرحياته.
لقد سَلَّطَ الضوء على قاع
المجتمع ، وأبرزَ أحلامَ المنبوذين ، وأظهرَ معاناة الفقراء ، ووضَّح مشاعر
المسحوقين ، في عالَم قاسٍ لا يَرحم . كما أنه فضح المجتمع المادي الذي يَقتل
الجوانب الروحية . وتبرز في أعماله المسرحية فكرتان رئيسيتان : الأولى _ الحياة
وَهْم . والثانية _ الإنسان غير قادر على فهم الحياة .
بدأ أونيل كتابة المسرحيات في
عام 1913 ، وانتهى به المطاف ليصبح أبرز كاتب مسرحي في أمريكا ، بعد أن نجح في
تحويل حياته الشخصية إلى فن مسرحي . وكان يهدف من هذه العملية إلى التحكم بحياته ،
وإعادة صياغتها من أجل تحليل تفاصيلها واستيعاب أحداثها .
امتلأت حياته الخاصة بالأزمات
الاجتماعية ، فقد تزوج ثلاث مرات ،
وأنجب ثلاثة أولاد، ولكنه أصبح غريبًا عن كل أولاده ، وقد انتحر أكبرهم . أُصيب
أونيل بمرض منعه من الكتابة ، ثم مات في غرفة بفندق في بوسطن ، بعد أن قال بمرارة
وسُخرية : (( وُلدتُ في غرفة فندق ، وأموت في غرفة فندق )) .
ويبقى أونيل هو الأب الشرعي للمسرح
الأمريكي، ولا يُنافسه في مَنْزلته أي كاتب مسرحي، خصوصًا في نظرية المأساة التي
طَوَّرها . فقد اعتبرَ أن العاطفة مهمة جِدًّا، وأن التعبير عنها بالمسرح
المأساوي يُعطي الإنسان نوعًا من التَّفهم الروحي .