وُلد الأديب الأمريكي وليام فوكنر( 1897_
1962)في مدينة نيوألباني، وتُوُفِّيَ في أكسفورد بولاية ميسيسبي الواقعة في أقصى
الجنوب الأمريكي. يُعتبَر واحدًا من أكثر الكُتَّاب تأثيرًا في القرن العشرين،وبعض
النقاد يعتبره أفضل روائي في التاريخ. حصل على جائزة نوبل للآداب( 1949)، وكان
قليلَ الشهرة قبل الفوز بها، رغم أن أعماله منشورة منذ 1919. حصل على جائزة
بوليتزر عام 1955 عن " حكاية خرافية "،ونال الجائزة ذاتها عام 1963 عن
عمله المسمَّى " الريفرز ".
استلهمَ فوكنر معظم أعماله من مسقط رأسه ،
وقد حَوَّلَ الجنوبَ الأمريكي إلى أساطير وقصص وذكريات وأحلام . كتب روايات وقصصًا
قائمة على السَّرْد المكثَّف الذي يجمع بين تيار الوعي والابتكارات اللغوية ،
وامتازَ بقدرته الفائقة على رسم الشخصيات بصورة حيَّة ، وبنى نسيجًا لغويًّا يعتمد
على تعدُّد زوايا النظر ، والانزياحات الزمنية ضمن السَّرْد . وتتميز أعماله بتنوع
في الأسلوب ، وطرافة في طرح الفكرة ، وخصوصية في الطابع .
نشر في حياته تسع عشرة رواية ، وأكثر من
ثمانين قصة ، وديوانين من الشِّعر ، وعددًا كبيرًا من المقالات.
بعد الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918) ،
حاولَ الدراسةَ في جامعة ميسيسبي ، إلا أن إقامته فيها لَم تَطُل . وعندئذ ، اعتمد
على الدراسة الذاتية ، فَعَلَّمَ نفْسه الفرنسية ، ليقرأ شعراء الحداثة الفرنسية :
بودلير، وفرلين ، ومالارميه .
تزوَّجَ عام 1929 " إستيل أولدم "
وهي حُب شبابه . وكان منتصف الخمسينيات أسعد فترة في حياته ، حيث قضاها كاتبًا
مقيمًا في جامعة فرجينيا بالقرب من ابنته وأحفاده .
ابتكرَ فوكنر في عالَمه الروائي منطقة
خيالية " مقاطعة يوكناباتوفا " ، وهي تُمثِّل مسرح الأحداث الأساسي في
أعماله كُلِّها . ومعَ أنها منطقة غير موجودة على أرض الواقع ، إلا أنها ترتبط
بقوة بالأماكن التي عاش فيها الكاتب ، والأشخاص الذين عرفهم .
عاش فوكنر في عائلة مأخوذة بالتقاليد والقصص
المحلية والحكمة الشعبية والفُكاهة الريفية ، والروايات البطولية والمأساوية عن
الحرب الأهلية الأمريكية . وهذه النشأة العائلية أثَّرت فيه بشكل واضح . وكانت
حياته وأعماله الأدبية شهادةً على عصره ، وتفسيرًا رمزيًّا وفلسفيًّا للتغيرات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على الجنوب الأمريكي .
كان في شبابه قارئًا نهمًا ، وأظهرَ منذ
مراهقته شغفًا بالقراءة والكتابة ، وكان يكتب بيده كُتبًا مُزيَّنة برسوم توضيحية
، ويُوزِّعها على أصدقائه ، ومن بينها دواوين شِعر ، وقصص .
لَم يعش في عالَم خاص ومغلق ، ولَم يحصر
نفسه في الريف الجنوبي الذي حَوَّله إلى أسطورة اسمها يوكناباتوفا. فقد تلقى
تدريبًا في تورنتو كطيار مقاتل في سلاح الجو الملكي الكندي في الحرب العالمية
الأولى. واطَّلعَ على التيارات الفكرية والنظريات الأدبية ، واستوعب التأثيرات
الحداثية التي كانت تُغيِّر وجه الفن والأدب في القرن العشرين . وفي أواسط
العشرينيات، عاش بين الكُتَّاب والفنانين في الحي الفرنسي في مدينة نيوأورلينز بولاية
لويزيانا ، وكتب عدة قصص نالت الاستحسان والتشجيع . وكان فوكنر قد جاء إلى
نيوأورلينز بعد أن أصدر ديوانًا شعريًّا بعنوان " الفاون " ( 1924) .
وهناك أتَمَّ روايته الأولى " راتب الجندي " ( 1926) ، وتدور حول طيار
يعود جريحًا ليموت في وطنه . أمَّا روايته الثانية " البعوض " ( 1927)
فتحكي عن حياة بوهيمية رصدها في نيوأورلينز . وتُعتبَر روايته " الصخب والعنف
" ( 1929) أبرز أعماله على الإطلاق ، وقد مَثَّلت تقدُّمًا مُذهلاً في كتابته
، فظهرت قُدرته على تنويع الأساليب ، والتواصل مع التقنيات السردية والأفكار
الحداثية . ومنذ ذلك الحين ، راح يُجرِّب أشكالاً جديدة في كتابة السَّرد ، ففي
روايته " بينما أرقد في حضرة الموت "( 1930)، يستعرض إمكانياته الكتابية
في مجال تيار الوعي . كما أنه اعتمد على التعقيد واللغة الفخمة في كثير من رواياته
. نقل فوكنر عادات الجنوب الأمريكي وتقاليده ، واعتمد على النَّفَس الحزين
المأساوي في كتاباته. حتى لَقَّبه البعض بكاتب الجنوب ( نِسبة إلى ولاية ميسيسبي الواقعة جنوب أمريكا ) . هُوجمت أعماله مِن قِبَل
النُّقاد الذين رَأَوْا في رواياته ، خصوصًا رواية " الملاذ " مُبالَغةً
شديدة ، حيث الإفراط في تصوير القتل والاغتصاب ، بما يتجاوز المعقول . وكأنَّ
فوكنر أراد القول إن المجتمع قائم على قتل الروح واغتصاب الجسد ، وضمن هذه
الثنائية المرعبة ، يتكرَّس مجتمع الحقد والكراهية ، الذي ينتهج أسلوب العنف
لإخضاع الإنسان سواءٌ كان رَجلاً أَم امرأة . والتركيزُ الشديد على القتل
والاغتصاب يُشير إلى انكسار روح المجتمع، وانهيار الأخلاق ، واضمحلال المشاعر ،
والتاريخ الأسود للفرد والجماعة . وكُل هذه المعاني متماهية مع قضية التمييز
العنصري بين البيض والسُّود التي تناولها فوكنر في أعماله . وبشكل عام، صار القتل
نظام حياة في المجتمع ، وصار الاغتصاب ذاكرة للروح والجسد.
مِن أبرز رواياته: راتب الجندي ( 1926). البعوض ( 1927). الصخب والعنف ( 1929) . الملاذ ( 1931) . ضوء في آب ( 1932) .