وليام شكسبير والشهرة الأسطورية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
....................
وُلِدَ
الكاتب المسرحي الإنجليزي وليام شكسبير ( 1564 تاريخ تعميده _ 1616) ، في ستراتفورد أبون آفون . عمل والده جون خلال
مرحلة طفولته المبكرة في قطاع الجلود، وكان ناجحًا فيها، ولكنه فيما بعد واجه
صعوبات مادية كثيرة،وكان له عِدَّة نشاطات، أبرزها مشاركات في شؤون البلدية
والمجلس المحلي عام 1560.
لَم يُعرَف الكثير عن حياة شكسبير خلال
مرحلة صباه ، ولكن الاحتمال الأكبر أنه تعلَّمَ في مدرسة قواعد اللغة في ستراتفورد
. أمَّا زواجه ، فقد كان عام 1582 مِن آن هاثاواي ، والتي كانت تكبره بثماني
سنوات، وأنجب مِنها ثلاثة أطفال ، وهُم : سوزانا ، والتَّوأم هامنت وجوديث.
بدأ شكسبير حياته المهنية بالعمل كممثل
وكاتب مسرحي في شركة تمثيل " رجال اللورد تشامبرلين " عام 1594، وبقي
حتى نهاية حياته المهنية في لندن ، مرتبطًا مع هذه الشركة ، حيث كانت حياته
المهنية في أوج ازدهارها عام 1597، واستطاعَ في تلك الفترة شراء مكان جديد للإقامة
فيه في ستراتفورد ، وهو المكان الذي سكنه خلال سنوات تقاعده في وقت لاحق . وبعدها
بسنتين ، أصبحَ شكسبير شريكًا في مِلكية مسرح غلوب . وبعدها بتسع سنوات ، أصبحَ
مالكًا لمسرح بلاكفريارز. أمَّا تقاعده فكان بعد امتلاكه المسرح بخمس سنوات ، حيث
عادَ ليتقاعد في ستراتفورد . وكان يتمتع بحياة مريحة خلال فترة تقاعده ، رغم أنه
لَم يكن ذلك الرَّجل الثري خلال مرحلة حياته المهنية . كتب شكسبير أكثر من ثلاثين
مسرحية، حيث قُسِّمَت إلى أربع فئات: الرومانسية، والتاريخية، والمأساوية ،
والكوميدية . وقد بدأ بكتابة المسرحيات الكوميدية ثم التاريخية مِثل : مسرحية هنري
السادس ، وإرورس . وكتب العديد من المسرحيات المشهورة حتى يومنا هذا ، مِثل: روميو
وجولييت، وماكبث، وهاملت، ويوليوس قيصر، وعُطيل ، والملك لير ، وأنطوني وكليوبترا.
ولكنه تحوَّلَ في السنوات الأخيرة إلى الرومانسية من خلال مسرحياته : سيمبلين ،
وحكاية الشتاء ، والعاصفة. وعلى الرغم من نجاحه وشُهرته ، إلا أنه لَم يُنشَر له
خلال حياته سوى ثماني مسرحيات، وبطبعات منفصلة . وقد صدرت مجموعة كاملة بأعماله ،
وكانت طبعتها الأولى عام 1623 . أي بعد عِدَّة سنوات مِن وفاته . اشْتُهِر شكسبير
بِشِعر السوناتة ، وهي مجموعة مُكوَّنة من 154 قصيدة. وتتحدَّث هذه القصائد عن
عِدَّة مواضيع ، مِنها : الحب ، والجمال ، والسياسة ، وغيرها.
لا
يمكن مقارنة الشُّهرة التي اكتسبها أي كاتب آخر بشهرة شكسبير
عالميًّا على كافة المستويات، فقد دخل إلى جميع الثقافات والمجتمعات الأدبية
والفنية والمسرحية في كل بلدان العالَم. اعتمد في مسرحه وشِعره على العواطف
والأحاسيس الإنسانية ، مِمَّا عَزَّز مِن عالميته واستمراريته . فأبطال مسرحياته
المأساوية شخصيات تتميَّز بالنُّبل والعَظَمة والعواطف الإنسانية ، وتُؤثِّر في
الجمهور والقُرَّاء أينما كانوا ، ولاتزال الشخصيات الكوميدية تُضحِك الجمهور
لِمَا في تصويرها مِن ذكاء ودِقة وفُكاهة . وتترك شخصياته النسائية، مثل كليوباترا
وجولييت والليدي ماكبث وروزالند وبورشيا وبياتريس وميراندا، أكبر الأثر عند
القُرَّاء وجمهور المسرح والسينما أينما كانوا . وتكمن براعة شكسبير في القصص
المثيرة التي يستخدمها في مسرحياته، والمخزون الغني من الشخصيات التي يمتزج فيها
الخير والشر والعاطفة والعقل، واللغة الشعرية البليغة، والبراعة في التلاعب بالكلمات
والألفاظ والمفردات الجديدة . تعود أهمية شكسبير في كَونه الابن النجيب لفكر وفن
عصر النهضة الأوروبية بامتياز . فهذا الفكر الذي عالج جوهر الإنسان الفرد وموقعه
في الكون ودوره في الحياة، على كافة الأصعدة ، انعكسَ بِتَجَلِّي في مسرحياته ،
ولا سِيَّما في المرحلتين الثالثة والرابعة . وما شخصيات هذه المسرحيات ، على
تنوعها وتباينها إلا تعبير عن معاناة الفرد في واقعه وتَوْقه إلى الانعتاق مِن أي
قيد يُعَرْقِل تفتُّحه وطموحه . ويتجلى نُضج شكسبير الفكري والفني في صياغة الصراع
الذي يَخوضه الفرد بين نوازعه وغرائزه وطموحاته ، وبين ظروف الواقع المحيط
والحتمية التاريخية . لا توجد في مسرحيات شكسبير شخصيات مُعلَّقة في الهواء ، بل
هي دائمًا ابنة واقعها بتجلياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . وعلى الصعيد
الفني كان شكسبير نفسه ابن واقعه ومُعطياته، وتَجَلَّت عبقريته الفنية في استيعاب
الأشكال الفنية التراثية والمعاصرة والشعبية ، وإعادة صياغتها استجابةً لمتطلبات
العصر ، ولشروط الممارسة المسرحية في دُور العَرْض الفقيرة بالتجهيزات المسرحية
آنذاك. ومِن هنا كان خروجه على القوانين الكلاسيكية، وتأكيده على الحبكة المزدوَجة
، ومَزْجه المرهَف بين الواقعي والخيالي، وبين العواطف والأهواء المتضاربة ،
واستخدامه الشِّعر والنثر في العمل المسرحي الواحد، وبمستويات لغوية مختلفة حسب
طبيعة الشخصية وموقعها الاجتماعي ، هذا بالإضافة إلى التأكيد على تعدُّد أمكنة
الأحداث ، وفتح الزمن مِن دُون أيَّة تحديدات تُقيِّد حريته . ومَن يتعمَّق في
أعماله يلمس بشكل واضح كَوْن شكسبير ابن إرهاصات الثورة الصناعية والازدهار
الاقتصادي والانفتاح على العالَم الواسع .