وُلد الأديب الياباني ياسوناري كاواباتا (
1899_ 1972) في أُوساكا ، لعائلة ثرية ومثقفة ، ولأب طبيب مشهور . أهَّله إبداعه
النثري المكتوب بلغة شِعرية راقية وغامضة ، للحصول على جائزة نوبل للآداب عام
1968، ليصبح أوَّل كاتب ياباني يَفوز بهذه الجائزة العالمية .
فقدَ والديه عندما كان في الثانية من عُمره
، ليقوم جَدَّاه بتربيته بعد ذلك . وكان له أخت كبرى أخذتها عمَّة بعيدة
لِتُرَبِّيها. ماتت جَدَّته عندما أصبح في السابعة مِن عُمره ، وتُوُفِّيَت شقيقته
التي رآها مَرَّة واحدة فقط منذ موت والديه ، عندما أصبح في العاشرة ، وعندما صار
في الخامسة عشرة مِن عُمره تُوُفِّيَ جَدُّه . وتركت هذه الأزمات تأثيرًا كبيرًا
في طفولته ، وولَّدت لَدَيه الشعور بالفقدان والحرمان والأسى الذي لَوَّنَ كتاباته
لاحقًا ، وأُطْلِق عليه لقب " سَيِّد الجنائز " .
وبفقدانه كل أفراد عائلته الأقربين ، انتقل
للإقامة مع عائلة والدته. ثُمَّ انتقلَ في يناير 1916 إلى بيت داخلي قُرب المدرسة
الثانوية حيث يَدرس . وبعد تخرُّجه مِنها في 1917 ، انتقل إلى طوكيو آمِلاً في
اجتياز امتحان المدرسة الثانوية الأُولَى ، التي كانت تعمل بإدارة جامعة طوكيو الإمبراطورية.نجح
في الامتحان ، ودخل كلية الدراسات الإنسانية ، ليتخصَّص في اللغة الإنجليزية.
عندما كان طالبًا في الجامعة، أعاد كاواباتا
إصدار مجلة جامعة طوكيو الأدبية " اتِّجاهات الفكر الجديدة " التي كانت
مُعطَّلةً لأكثر من أربع سنوات . وفيها نشر قصته القصيرة الأُولَى " مشهد من
جلسة أرواح ". وخلال سنواته في الجامعة، بَدَّلَ اختصاصَه إلى الأدب
الياباني، وكتب أُطروحة تخرُّج بعنوان : " تاريخ موجز للروايات اليابانية
" .
بدأ كاواباتا في جذب الانتباه إلَيه بعدد من
القصص القصيرة بعد تخرُّجه بوقت قصير . وأشادَ النُّقاد بقصته " راقصة آيزو
" ( 1926) ، وهي قصة بزوغ حُب جديد إيروتيكي . ومعظم أعماله اللاحقة تستكشف
ثيمات مُتشابهة." بلد الثلج" واحدة من أشهر رواياته ، بدأ كتابتها في
1934، ونُشرت مُسَلْسَلَة مُنذ 1935 حتى 1937 . قصة حُب بطلها شاب يهوى الفن من
طوكيو ، وتدور أحداثُها في مدينة بعيدة، ربيعها حار. مكان ما في الغرب ، قُرب
جبال اليابان الشاهقة. رَسَّخت كاواباتا كأحد أبرز الكُتَّاب اليابانيين ، وأصبحت
إحدى الكلاسيكيات .
الكتاب الذي اعتبره كاواباتا أفضلَ أعماله ،
كان " سَيِّد الغو " ( 1951) ، الذي يتعارض بشدة مع أعماله الأخرى .
رواية شِبه خيالية عن مبارة غو كُبرى في 1938. كانت آخرَ مباراة في مسيرة
الْمُعلِّم شوساي المهنية ، وخسرها لصالح مُتَحَدِّيه الأصغر سِنًّا ، ليموت بعد
سنة أو أكثر بقليل . ورغم أنَّ الرواية تتحرَّك على السَّطح كإعادة حكاية لكفاح
مُشوِّق ، إلا أنها اعْتُبِرَت روايةً رمزية تُوازي هزيمة اليابان في الحرب
العالمية الثانية .
كتب كاواباتا أيضًا أكثر من 140 قصة قصيرة،
كان يُطلِق عَلَيها " قصص كف اليد " لقصرها. إِذْ إِن طُول القِصَّة بين
الصفحة والسبع صفحات . جَسَّدَ فيها عُمقَ العاطفة الإنسانية ، وسَبَرَ أغوار
النَّفْس البشرية . وكانت القصة القصيرة جدًّا الجِنس الأدبي المفضَّل لَدَيه ،
إذْ وَجد في المساحة المحدودة فيها مَيِّزةً ، مَكَّنته مِن استخدام الغموض الذي
بَرع فيه ، ومِن ترك العنان لخيال القارئ. واقترب في أسلوبه هذا من الشِّعر. إذْ
تُشبِه كُل قصةٍ قصيدةً شِعرية، في عُمقها وكثافة رُموزها وتركيزها . كان يكتب
القصص ، الواحدة تِلْو الأخرى ، وكأن الواحدة تُلهِم الأخرى كما القصائد ، فتأتي
باندفاعات إبداعية مُفاجئة وغزيرة .
وما يُميِّز قصصه القصيرة ليس فقط كثرة
عددها ، وإنما تَنَوُّع موضوعاتها وأسلوبها . فبعضها يمتاز بِوَحدة النص وتماسكه،
وبعضها الآخر يأتي بصيغة مُفكَّكة كالْحُلْم بأسلوب انطباعي. وتُشكِّل هذه القصص
بمجموعها مِرآةً كبيرة للحياة الإنسانية . وقد جُمعت في مجلدات كثيرة ، وتُرجِمت
إلى لغات عِدَّة ، فَحَقَّقت انتشارًا بين القُرَّاء في الغرب . وكانت آخر هذه
القصص القصيرة قِصَّة اختزلها عن روايته " بلد الثلج " بعنوان "
لقطات من بلد الثلج " ، التي شَكَّلت تَحَوُّلاً في أسلوب التأليف الذي كان
يَتبعه . إذْ كان يَستوحي رواياته الطويلة من فكرة بسيطة ، ويُسهِب ويَتوسَّع فيها
، بينما حدث العكس في قصته الأخيرة تِلْك .
انتحرَ كاواباتا في عام 1972 بخنق نفسه
بالغاز . ووُضِعَت فرضيات مُتعدِّدة لتفسير انتحاره . ومِن بينها صِحَّته الضعيفة
، أو قِصَّة حُب مُحتمَلة مرفوضة من المجتمع ، أو صدمة انتحار تلميذه وصديقه يوكيو
ميشيما عام 1970.وعلى أيَّة حال، فإنه_على العكس من ميشيما_لَم يترك رسالةً قبل
انتحاره . وبما أنه لَم يُناقش مسألةَ الانتحار بشكل مُؤثِّر في كتاباته، فإن
دوافعه تبقى غامضة .