وُلِد الأديب
الأسكتلندي والتر سكوت( 1771 _ 1832) في إدنبرة ، عاصمة إسكتلندا ، لأبوين من طبقة
النبلاء . وقبل أن يبلغ
عامه الثاني أصابه داء الشلل ، وأفقده
القدرة على استعمال رِجله اليمنى. وبعد ذلك ، أرسله والداه إلى منزل جَدِّه ، حيث
كان يقضي معظم أوقاته في نزهات بين أحضان الطبيعة ، فنمت قُدرته الجسدية ،
وتغلَّبَ على عاهته مُتَفَادِيًا أي تأثير سَيِّئ لها عليه ، ولكنه بقي مُصابًا
بالعرج طيلة حياته .
في
سن الثانية عشرة ، بدأ في دراسة الكلاسيكيات في جامعة
إدنبرة . وفي الحادية
والعشرين أكملَ سكوت دراسة المحاماة ، ومارسها شأن أبيه ، لكن ممارسته ظلَّت
متقطعة ، إذ دَأَبَ على السفر والترحال . وفي السادسة والعشرين ، تزوَّجَ سكوت من
فتاة فرنسية ، وبعد ذلك بقليل بدأ ينشر أول أعماله الشعرية .
مَعَ الوقت ازداد مدخول سكوت ، وراح يجد
مُتَّسَعًا أكثر من الوقت للكتابة . وفي عام 1814 ، وضع روايته الأولى
"ويفرلي"، وعالجت مرحلة من مراحل التمرُّد اليعقوبي عام 1745 في التاريخ
الإسكتلندي ، ولاقت نجاحًا فوريًّا كبيرًا . وقد نشرها تحت اسم مستعار ، وهو ما
دأب عليه بعد ذلك، فَعُرِف " بالمجهول العظيم " إلى أن اضطره إفلاسه
للكشف عن هويته عام 1827.
ظَلَّ سكوت في السنوات الخمس عشرة التالية ،
يُصدِر رواية إثر أُخرى ، تتناول الحياة في إسكتلندا في القرنين السابع عشر
والثامن عشر.ثُمَّ ما لبث أن وسَّع مسرح رواياته زمانًا ومكانًا، فكتب"إيفانهو"
( 1819 )، وهي أشهر رواياته على الإطلاق . وقد
اشْتُهِر وعُرِف بفضل هذه الرواية
التاريخية الحديثة ،
وأُطْلِق عليه " أبو الرواية الحديثة ". وفي نفس العام مُنِح سكوت لقب
سير. وفي عام 1822، حين زار الملك جورج الرابع إسكتلندا، كان سكوت عُضْوًا في لجنة
الاستقبال، وحِين تعرَّفَ إليه الملك أُعْجِب به كثيرًا ، وتبادلَ مع الأنخاب .
إضافةً إلى الكتابة،كان
سكوت يُشرِف على شؤون أراضٍ يَملكها على نهر التويد في أبوتسفورد لكن نفقات أملاكه
الواسعة كانت كثيرة .
وفي عام 1826 ، انهارت دار نشر يملك فيها
سكوت حصة كبيرة من أسهمها ، فأُصِيب بالإفلاس . وقد عمل سكوت بقية حياته مُحاولاً
سداد دُيونه الكثيرة، فأنتجَ في سنتين سِتَّة كتب بينها كتاب " حياة نابليون
" في تسعة أجزاء . لكن المجهود الْمُضني والمتواصل الذي بذله ، كان يفوق
طاقته على الاحتمال،فساءت صِحَّته بسرعة. وتُوُفِّيَ في مَنْزله في أبتسفورد في منطقة مليروز.
يُعتبَر سكوت واحدًا مِن
أهم مُبدعي الرواية
التاريخية في الأدب
الإنجليزي . ومعظم الذين خاضوا كتابة الرواية التاريخية بَعْدَه ، إنما اهْتَدَوْا
بأساليبه وساروا على خُطاه . وبذلك ، يكون أحد كبار الروائيين في العالَم في هذا
المجال . ويعتبره الكثيرون مؤسس الرواية التاريخية ، وأحد أهم أدباء الحركة
الإبداعية الرومانسية في الأدب الأوروبي .
عَاصَرَ سكوت حروب نابليون ، واهتمَّ بالبحث
في شؤون الآثار والتراث. وقد شغف منذ طفولته بالقصص والتراث الشفهي الذي يرويه
الكبار في عائلته حول إسكتلندا ، مِمَّا أمَدَّه بالكثير من المادة التاريخية التي
استخدمها في كتاباته فيما بَعْد، لذا تُعالج كُتبه موضوعات تتعلق بإسكتلندا في قرن
ونصف قبل زمانه ، وتتخذ من أوروبا القرون الوسطى مسرحًا لها .
أُغْرِم سكوت بالقصائد الغنائية التي تتحدث
عن أعمال بطولية وأساطير شعبية إسكتلندية . وكان قارئًا نهمًا ، شملت قراءاته
كتابات بالإيطالية والإسبانية والفرنسية والألمانية واللاتينية .
انصرفَ سكوت في بداية حياته الأدبية إلى
كتابة الشِّعر، ولاقت أعماله نجاحًا منذ البداية، وكان أول أعماله " قصائد
وأغاني مناطق إسكتلندا الحدودية " ( 1802_ 1803) ، ويتكوَّن مِن ثلاثة مجلدات
من القصائد تعود للتراث الشفاهي الإسكتلندي، تبعتها بعد ذلك عدة مجموعات مِن
القصائد الغنائية ، أظهرت إحداها التي تحمل العنوان " روكبي " ( 1813 )
اهتمامًا كبيرًا برسم الشخصيات ، مِمَّا أدى به إلى كتابة الرواية مع استمراره في
كتابة الشِّعر ، فتضاءلت مكانة الشاعر الكبير .
تَمَتَّعَ
سكوت بذاكرة حادة ونظرة ثاقبة ، مِمَّا أكسبه قدرة فائقة على إعادة تصوير مراحل
مختلفة من التاريخ ، من خلال وصفه الدقيق وتصوير شخصيات من مختلف دروب الحياة ، من
الملوك حتى المتسوِّلين .