وُلد الفيلسوف وعالِم
الرياضيات الأمريكي هيلاري بوتنام ( 1926 _ 2016 ) بمدينة شيكاغو في ولاية إلينوي
.
كان أبوه صحفيًّا
ومترجمًا في ديلي ووركر،
وهي نشرة خاصة بالحزب الشيوعي بالولايات المتحدة الأمريكية . وبفعل الانتماء
الشيوعي لأبيه، وكَوْن أُمه يهودية ، فقد تلقى بوتنام الشاب تربية عَلْمانية .
عاشت أسرته بفرنسا إلى حدود عام
1934الذي عادت فيه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستقرت
في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا،حيث درس بوتنام
بجامعتها الرياضيات والفلسفة، إلى
أن حصل على الإجازة ، فصار عضوًا في جمعية
الرياضيات والفلسفة التي هي أقدم الجمعيات الأدبية الأمريكية .
تابع دراساته الفلسفية بجامعة هارفارد ، ثم بجامعة
كاليفورنيا بلوس أنجلوس، حيث
حصل على شهادة الدكتوراة عام 1951 برسالته عن " دَلالة مفهوم
الاحتمال في التطبيق على المتواليات المتناهية " . وكان هانز رايشنباخ
، الذي أشرف على رسالته للدكتوراة، ورودولف
كارناب أهم أساتذة
بوتنام، وهُما من أبرز مُمثِّلي الوضعانية
المنطقية .
درَّس بوتنام في نورت وسترن مدة قصيرة ، ثم
انتقل ليُدرِّس الرياضيات في جامعة برنستون (
1953 _ 1961 )، ثم فلسفة العلوم بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(1961_1965)، فالمنطق
الرياضي والفلسفة بجامعة هارفارد إلى حين تقاعده عام 2000.
يُعَدُّ بوتنام أحد الفلاسفة الممثِّلين
للفِعلانية المحدَثة.وتتناول أعماله الفلسفية عدة مجالات تشمل فلسفة
العلوم، والمنطق، والرياضيات ، وفلسفة
الذهن ، وفلسفة اللغة ، وفلسفة المعرفة، وفلسفة الأخلاق والسياسة .
يُعرَف بوتنام بأنه قدَّم _ في فلسفة الذهن
_ دليلاً قويًّا ضد دعوى
المماثَلة بين الحالات الذهنية والحالات الدماغية ، وهو
دليل قائم على قابلية التحقق
المتعدد لخصائص ما هو
ذهني . كما يُعرَف بدفاعه عن الوظيفية التي تُعَدُّ
إحدى أهم النظريات عن مشكلة
البدن والذهن .
وفي فلسفة اللغة،طوَّر بوتنام
النظرية السببية
للإحالة،وعرض مُقاربة متميزة عن الدلالة،
تُسمَّى الخارجيانية
الدلالية ، وهي
قائمة على إحدى أشهر التجارب الفكرية تُسمَّى "الأرض التوأم".
ويُعرَف
بوتنام، في فلسفة
العلوم،بأنه عَرَضَ بالخصوص التجربة الفكرية المسمَّاة"أدمغة في برميل "
، والمُوجَّهة للرد على الشَّكانية
المعرفية .
وأمَّا على مستوى الميتافيزيقا ، فقد دافع في
البداية عمَّا يُعرَف بموقف الواقعية
الميتافيزيقية، وهو الموقف الذي صار فيما بعد أحد أشد نُقَّاده، حيث أصبح يتبنى
موقفًا آخر سمَّاه الواقعية
الداخلية . ثم تخلى عنه وصار يُدافع عن الواقعية
الفِعلانية ( أو العادية ، أو الساذجة ) المأخوذة من الواقعية المباشرة لوليام
جيمس ، ومِن الكتابات المتأخرة لفيتغنشتاين .
ويقوم هذا الموقف على
أن الميتافيزيقا يجب أن تُدرَس
بنفس الكيفية التي نُمارَس بها تجربة العالَم ، وذلك بنبذ فكرة التمثيل
الذهني ، والمعطيات
الحِسِّية وكل الوسائط
الأخرى بين الذهن والعالَم .
يُعتبَر بوتنام أحد أبرز الفلاسفة في الفلسفة
الغربية المعاصرة،منذ الستينيات من القرن العشرين ، وعُرِف
بتعاطي الصرامة النقدية، حتى
بالنسبة لمواقفه الفكرية ، حيث لَم يتردد
في مراجعة كثير من أفكاره .