وُلد الشاعر الإنجليزي وليام وَردزَورث (
1770_ 1850) في بلدة كوكرمُث . كان والده محاميًا ، ووالدته ابنة تاجر كِتَّان .
يُعتبَر وردزورث الأديب الأوسع نفوذًا في
الشعر الإنجليزي مع صديقه الشاعر كولردج ، ومِن رُوَّاد الحركة الإبداعية ، فقد
أرسيا قواعدها معًا . والجدير بالذِّكر أن أُخته هي الكاتبة دوروثي وردزورث .
كانت لنشأة وردزورث في منطقة البحيرات، وهي
أجمل مناطق شمال غربي إنجلترا قرب ساحل البحر الأيرلندي ، أثر كبير في حُبِّه
للطبيعة ومظاهرها .
تفرَّقت عائلة وردزورث بعد وفاة والديه .
فقد أُرْسِلت أخته دوروثي للعيش مع جدتها ، في حين أُرسل مع إخوته للدراسة في بلدة
أخرى ، حيث درس اللغات والأدب والرياضيات ، وجالَ في أوقات فراغه في غابات المنطقة
وجبالها ، كما جالَ لاحقًا في أرجاء بقية إنجلترا وإسكتلندا ، وَمِن ثَمَّ أوروبا
.
انتسبَ إلى جامعة كامبردج ، وتخرَّجَ فيها
عام 1791 ، وقام برحلة سَيْرًا على الأقدام في فرنسا أيام الثورة، وصارَ
مُنَاصِرًا للجمهورية، وارتبط هناك بفتاة فرنسية أنجبت منه بِنْتًا لَم يرها إلى
أن بلغت التاسعة مِن عُمرها ، بسبب توتر العلاقات بين إنجلترا وفرنسا في تلك
الفترة .
كانَ بعد تخرُّجه عاطلاً عن العمل،
مُفْلِسًا ، وتعرَّفَ على الفيلسوف الراديكالي وليم غودوين، وتعاطفَ مع أفكاره
المثالية حول مناصرة الضعفاء والمسحوقين ، وضرورة الإصلاح ، وإحلال العدالة في
المجتمع . تزوَّجَ عام 1802 زميلته في المدرسة منذ الصِّغر ماري هتشِنسون ، وأنجبت
له أربعة أطفال، تُوُفِّيَ مِنهم اثنان عام 1812، وكان أخوه الأوسط قد تُوُفِّيَ
غَرَقًا في عام 1805، ويبدو تأثير هذه الأحداث واضحًا في شِعره . التمَّ شمل
وردزورث وأخته دوروثي في عام 1795، واستقرَّا بالقرب من مدينة بريستول جنوبي
إنجلترا ، ولَم يفترقا بعد ذلك حتى وفاته .
تعرَّفَ هناك على الشاعر كولردج ، وأقاما
مَعًا شراكةً أدبية ، غيَّرت مجرى حياتيهما ، ومسار الشِّعر الإنجليزي ، ونجمَ
عنها أفضل إبداعاتهما. فقد انصرف وردزورث عن كتابة القصائد الطويلة التي أخذت
الحيِّز الأكبر مُنذ أيام دراسته في كامبردج ، إلى القصائد الغنائية القصيرة التي
خَصَّص العديد منها لأخته وللطبيعة ، وتميَّزت بالبساطة والعاطفة الصادقة .
كان
ذلك كله ضمن برنامج وضعه الشاعران للتحرر من قيود الشِّعر التقليدية ، ولتحدِّي
الذوق المتدهور السائد آنذاك. وقد نُشِرت هذه القصائد في مجموعة صغيرة
بعنوان" قصائد غنائية" ( 1798) . ولَم يَتَلَقَّ النُّقاد هذا الديوان
بأيَّة إيجابية تُذكَر ، بَل هُوجِم ، وشُكِّكَ بقيمته ، حِين كان الثلاثة وردزورث
وأخته وكولردج يجولون في ألمانيا . وكان شتاء ذلك العام 1798قاسيًا ، فانعزلَ
وردزورث وأُخته عن العالَم في بلدة غوسلار ،
وانكفأ الشاعر على ذاته وعلى الذاكرة ، مُعْتَمِدًا ما أطلقَ عليه تسمية
" بقع زمنية "، يغوص فيها في أعماق ذاته مُسْتَرْجِعًا مخزونات الذاكرة.
صدرت الطبعة الثانية من" قصائد غنائية
" عام 1800، وضمَّت قصائد جديدة، إلا أن الأهم من ذلك كان تضمينها مقدمة في
الدفاع عن آراء مؤلفَيْها في وجه الهجوم الحاد مِن قِبَل النُّقاد .
ويمكن اعتبار هذه المقدمة بيانًا للحركة
الإبداعية الإنجليزية ، حَدَّدَ فيه وردزورث هدفه من الوقوف في وجه الاتِّباعية
الجديدة المتصلِّبة ، وذلك مِن أجل بث الحياة في الشِّعر عن طريق معالجة الأمور
اليومية بلغة الناس المتداولة ، ومنح الأولوية للتدفق العفوي للإحساس والعاطفة
الأصيلة.كُل ذلك من أجل سبر أغوار الطبيعة ، وأيضًا لسبر أغوار النفس البشرية
بعقلها وخيالها ، وصولاً إلى " الروح المحرِّكة / التعالي " اعتمادًا
على عِلم نفس التداعي الحِسِّي الذي أخذه وردزورث عن لوك وهيوم وديفيد هارتلي .
كتب وردزورث قصيدته الأشهر بعنوان "
المقدمة " ، ولَم تُنشَر إلا في عام 1850بعد وفاته. أي بعد أكثر من نصف قرن
على البَدء بها . والقصيدة ملحمة من ثمانية آلاف بيت في السِّيرة الذاتية تتضمَّن
دراسته وأسفاره ، وتسير بحركة دائرية تبدأ عند النهاية حين كان الشاعر في التاسعة
والعشرين مِن عُمره ، رُجوعًا إلى البداية والطفولة ، يُمجِّد فيها الخيال
والأحاسيس الدافئة .
وَطَّدَ وردزورث شُهرته لدة القُرَّاء
والنُّقاد ، حتى صار في عام 1843شاعر البلاط الرسمي . لكن عبقريته الشعرية تراجعت
مع تقدُّمه في السِّن ، وأخذت مشاعر المحافظة والشيخوخة تحل محل اندفاع الشباب
وثورته . وأعاد كتابة " المقدمة " أكثر مِن مَرَّة ، ولكن بلا فائدة .
إذ ظَل شِعره الذي كتبه في في النصف الأول من حياته هو الأفضل والأبقى .