أُمِّي مَاتتْ /
لَكِنِّي أَشُمُّ رَائِحَةَ المُلُوخِيَّةِ في الشِّتاءِ البَعيدِ / الذي
يَتَفَجَّرُ في حِيطَانِ بَيْتِنا المهجورِ/ فيا أيُّها الأطفالُ الذينَ يَبْنُونَ
القُصورَ الرَّمليةَ عَلى شَاطئِ الرَّحيلِ / إنَّني أرَاكُم عَلى فِرَاشِ
المَوْتِ في ذَلِكَ الخريفِ البَعيدِ / أركضُ في طُرُقَاتِ الليلِ بَاكِيًا /
قَطَرَاتُ المَطَرِ تَخْتَلِطُ بِدُمُوعي / وَلَن يَرَى دُمُوعي إلا ضَوْءُ
القَمَرِ /
قَلْبي مَات
/ دَفَنْتُ قَلْبي في الغُيومِ اللازَوَرْدِيَّةِ / تَحَرَّرْتُ مِن جَاذِبِيَّةِ
العِشْقِ / خَرَجَ النَّجْمُ مِنَ المَدَارِ كَي يَحْتَرِقَ وَحِيدًا في غَاباتِ
الوَدَاعِ / أنا أحزانُ المساءِ / أتَفَجَّرُ لأُضِيءَ أوعيتي الدَّمويةَ
للجَرَادِ والقَرَاصِنَةِ / وأركضُ إلى سُورِ المقبرةِ / وَاثِقًا بِحُرُوفِ
اسْمِي عَلى شَاهِدِ قَبْري / وَطُيُورُ البَحْرِ تأكلُ أكفاني بَيْنَ أوراقِ
الخريفِ وصَفِيرِ القِطَاراتِ التي تَذهَبُ ولا تَعُودُ /
أكَلَ
سَرَطَانُ الثَّدْيِ صَدْرَ البُحَيرةِ / والرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ تَرْمِي
التَّنُّورَةَ فَوْقَ الرُّكْبَةِ في حَاوِيَةِ القُمَامَةِ / كُنتُ رُومَانسِيًّا
مِثْلَ دِيدَانِ المقابرِ / لَكِنَّ نُهُودَ النِّساءِ المقطوعةَ في أكوامِ
المَزَابِلِ / والمِكياجُ يَسِيلُ في حُفَرِ المَجَاري /
النِّساءُ
المَصلوباتُ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ في مُدُنِ المَلاريا / والبَعُوضُ يَكْتُبُ
دُستورَ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ / والقَرَاصِنَةُ يَجْمَعُونَ أغشيةَ
البَكَارَةِ كَطَوَابعِ البَرِيدِ التَّذكَارِيَّةِ / وَسَوْفَ تُصْبِحُ بَنَاتُ
آوَى رُومَانسِيَّاتٍ / حِينَ يَسِيلُ دَمُ الحَيْضِ في أنابيبِ الصَّرْفِ
الصِّحِّيِّ /
سَأظلُّ مِثْلَ نافذةِ السِّجْنِ وَحِيدًا/ وأبحثُ عَن جَدَائِلِ أُمِّي بَيْنَ قَطَرَاتِ الدَّمْعِ وَقَطَرَاتِ المَطَرِ / وَتَضِيعُ أحلامُ الطُّفولةِ بَيْنَ الخَنْجَرِ المَسمومِ وَرَسَائِلِ السُّجَنَاءِ / قُتِلَ النَّهْرُ في اشتباكٍ مُسَلَّحٍ / ولا تاريخَ لأظافرِ الفَرَاشَاتِ إلا العَطَش / وَنَحْنُ الأطفالُ الأيتامُ / نَتَعَلَّمُ أبجديةَ أشجارِ المقابرِ كَي نَكْتُبَ قَصَائِدَ الرِّثَاءِ / وَنَتَعَلَّمُ الرِّياضياتِ كَي نَحْسُبَ عَدَدَ المساميرِ في نُعُوشِ آبَائِنا /
لا تُشْفِقِي عَلَيَّ يَا أشِعَّةَ القَمَرِ / إنني أبكي تَحْتَ المَطَرِ في طُرُقَاتِ الجِرذان / لِكَيْلا يَرَى الليلُ دُمُوعي / أبْنِي مَمْلَكَتِي المُنْهَارَةَ بَيْنَ وَمِيضِ البَرْقِ وَلَمَعَانِ عُيُونِ الشَّرْكَسِيَّاتِ / وأعلامُ قَلْبِي مُنَكَّسَةٌ / سَأُمَجِّدُ المَوْتَ قَبْلَ أن أمُوتَ / جُثماني حَجَرُ الزَّاويةِ في قَصْرِي الرَّمْلِيِّ / الذي سَيَهْدِمُهُ المَوْجُ الكَاسِرُ/ وكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ / أركضُ في شَهيقي المُوحِشِ / وأبكي في صَدْري المُتَوَحِّشِ/ وَدَمْعُ النَّوَارِسِ يَغسِلُ بَلاطَ زِنزانتي/ لَقَد اقتربتُ مِنَ المَوْتِ كَثِيرًا/ أُمِّي أنجَبَتْنِي للمَوْتِ / وَتَسْتَعِدُّ للبُكَاءِ عَلَيَّ / وِلادتي هِيَ العَدُّ التَّنَازُلِيُّ / ومُنْذُ مِيلادي وأنا أسِيرُ إلى اللَّهِ.