دَفَنَ البَحَّارُ
حُبَّهُ الأوَّلَ في الشَّايِ بالنَّعناعِ / وَشَظَايا الجماجمِ لا تَزَالُ عَلى
رَصيفِ المِيناءِ / فَرَاشَةٌ مَكْسُورةُ الأجنحةِ / لَكِنَّهَا تَمْشِي في
جِنازتي عِندَ الفَجْرِ / انقلبت الرِّسالةُ عَلى الرَّسُولِ / والحَمَامُ
الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ عَلى نافذة زِنزانتي / وَدَخَلَ في خُدُودِ البَحْرِ
وَلَمْ يَخْرُجْ / وانقلبَ السِّحْرُ عَلى السَّاحِرِ / لَكِنَّ المُشَعْوِذَ
يُشَكِّلُ حُكُومةَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ /
لَسْتُ
وَصِيًّا عَلى مَشَاعِرِ البَحْرِ / أنا الرُّبَّانُ الغريقُ / وفِئرانُ
السَّفينةِ تأكلُ أحلامَ الطُّفولةِ / يَتَوَهَّجُ المِلْحُ في خُبْزِ أُمِّي /
لِيُضِيءَ طَريقي إلى حَبْلِ المِشْنَقةِ المَجدولِ مِن شَعْرِ بَناتِ أفكاري /
جِلْدي هُوَ
النَّشيدُ الوَطنيُّ للدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ / لَكِنَّ الأعلامَ مُنَكَّسَةٌ /
والسَّبايا جَالساتٌ عَلى شَاطِئِ الأمطارِ / يَنْتَظِرْنَ سُفُنَ القَرَاصِنَةِ /
فيا وَمِيضَ البَرْقِ البَعِيدَ/ عَلِّمْني القِراءةَ والكِتابةَ كَي أقْرَأَ
اسْمِي عَلى شَاهِدِ قَبْري / وأكتبَ تاريخَ مِيلادي في شَهادةِ وَفَاتي /
أنا طَعَامُ
الدُّودِ تَحْتَ أمطارِ المقبرةِ / جَهِّزِي العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ يا
قَاتِلَتِي الغامضة / عَلَّمَنِي المساءُ الرِّياضياتِ كَي أحْسُبَ عَدَدَ
الجُثَثِ المجهولةِ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / وَخَبَّأْنَا الأكفانَ
النُّحَاسِيَّةَ في الأكياسِ البلاستيكِيَّةِ / والزَّوابعُ نَثَرَتْ شَظَايا
جُمْجُمتي بَيْنَ زَهْرِ الليْمُونِ / وَنُهُودُ السَّبايا مَدْهُونةٌ بالزَّرنيخِ
الطازَجِ وأحلامِ الطُّفولةِ البَعيدةِ /
رُفاتي هُوَ
النَّشيدُ الوَطنيُّ لِقَطيعِ الغَنَمِ / وَأعلامُ القَبائلِ تُزَيِّنُ
الدِّيمقراطيةَ البَدَوِيَّةَ / دَيمقراطيةَ رُعيانِ الغَنَمِ بَعْدَ انقراضِ
الغَنَمِ / وَتَنتظرُ الفَراشاتُ المشلولةُ صَفِيرَ القِطَاراتِ في مَملكةِ
الصَّقيعِ / كَمَا تَنتظرُ الجَوَاري أن يَفُضَّ الخَلِيفةُ أغشيةَ البَكَارَةِ /
أفْلَتَت
الفَرِيسةُ العَمْيَاءُ مِنَ الصَّيادِ الأعمى / وَمُسْتَقْبَلُ القِطَطِ في
أزِقَّةِ الجِرذان / وَمُسْتَقْبَلُ الفَرَاشاتِ في طُرُقَاتِ الكُوليرا/
وَمُسْتَقْبَلِي وَرَاءَ ظَهْرِي/ماتَ المُسْتَقْبَلُ / إنَّ الماضي هُوَ
المُسْتَقْبَلُ/
شَراييني
مَفتوحةٌ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وجُثَثُ الفُقَرَاءِ تُصْبِحُ
حَوَاجِزَ عَسْكَرِيَّةً بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ / والأكفانُ
البلاستيكِيَّةُ مَنقوعةٌ في مَاءِ البِئْرِ / وَفُوَّهَاتُ المَدَافِعِ صَارَتْ
أعشاشًا لِطُيُورِ البَحْرِ بَعْدَ مَوْتِ البَحْرِ في أحضانِ الشَّفَقِ البَعِيدِ
/