لا تَزَالُ في أُذُنِي
دَقَّاتُ الكَعْبِ العَالِي عَلى الرَّصِيفِ/في تِلْكَ الليلةِ الخريفِيَّةِ
الباردةِ/ فَلا تَقْتُلِيني أيَّتُها اللبُؤةُ الغامضةُ بِلا مَوْعِدٍ ولا
ذِكرياتٍ / إنَّ أُمِّي تَنْتَظِرُ أن أَعُودَ إلَيْهَا في قَلْبِ الليلِ
الرَّهِيبِ / أنا الرُّبَّانُ المنبوذُ/ أحْمِلُ جِنْسِيَّةَ الشَّفَقِ / وتاريخي
تَكْتُبُهُ فِئرانُ السَّفينةِ/ والبَحَّارَةُ ذَهَبُوا مَعَ عَشِيقَاتِهِم إلى
فِرَاشِ المَوْتِ / وَبَقِيَتْ الرَّسائلُ الغَرَامِيَّةُ في قَاعِ البَحْرِ /
وبَقِيَ الشَّايُ الباردُ عَلى ألواحِ التَّوابيتِ / التي نَثَرَهَا المَوْجُ في
أزِقَّةِ المَرْفَأ المُعْتِمَةِ /
البَحْرُ
مُصَابٌ بالزَّهايمر / لَكِنَّهُ لَمْ يَنْسَ أن يُغْرِقَنِي / البُحَيْرَةُ
مُصَابَةٌ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ / لَكِنَّهَا أَمَرَتْنِي أن أبكيَ عَلى
صَدْرِهَا / أَكْمَلْتُ أُسْطُورَتي في اللامَكَانِ / وأَنْهَيْتُ رِسَالَتي في
اللازَمَانِ / وَلَمْ يَعُدْ أمَامِي إلا
الاحتضار / لَن تَكْتَمِلَ مُغَامَرَتي إلا بِالمَوْتِ / الذي يُحَنِّطُ الحِبْرَ
في شَرَاييني / ويُخَلِّدُني / ويُكْمِلُ دَائِرَةَ الذِّكرياتِ / إنَّ المَوْتَ
هُوَ حَيَاتي الجديدةُ / وأنا حُزْنُ المَرَافئِ القَدِيمُ /
أشِعَّةُ
القَمَرِ تُطَهِّرُ أوعيتي الدَّمويةَ مِنَ الطحالبِ والمقاصلِ/وتَنْمُو
السَّنابلُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي / ويَزْرَعُ سَجَّاني لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي
الأخضرِ/ وابتسامةُ النَّهْرِ الغامضةُ تَحْصُدُ قُضبانَ زِنزانتي / أسْمَعُ صَدَى
نِعَالِ النَّخَّاسِينَ بَيْنَ نُهُودِ السَّبايا المَحْقُونةِ بالانقلاباتِ
العسكريةِ / والرِّيحُ القِرْمِزِيَّةُ تَسْمَعُ قَرْقَعَةَ عِظَامِ الأمواتِ / في
حَدِيقَةِ النُّعوشِ النُّحاسيةِ /
لا
تَفْتَخِرِي بِحَجْمِ ثَدْيَيْكِ يَا ابنةَ حَفَّارِ القُبُورِ / إنَّ سَرَطَانَ
الثَّدْيِ مِثْلُ دُودِ المقابرِ / لا يُفَرِّقُ بَيْنَ قُمْصَانِ النَّوْمِ
وَثِيَابِ الحِدَادِ / جُثمانُ التُّفاحِ مَحْفُوظٌ في صُندوقِ البَرِيدِ /
والحَمَامُ الزَّاجِلُ أُصِيبَ بالزَّهايمر / وأضاعَ رَسائلَ العُشَّاقِ / عَرَقُ
النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يُزَيِّنُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / وَحَرْبُ
شَوَارِعَ في مَدينةِ الأشباحِ/ وانتشارُ الجُثَثِ في الشَّوارعِ/ بَيْنَ القِطَطِ
الضَّالَّةِ والكِلابِ البُولِيسِيَّةِ/ والخَدَمُ يُضَاجِعُونَ المَلِكَاتِ عَلى
وَقْعِ النَّشِيدِ الوَطَنِيِّ/ بَعْدَ مَوْتِ الوَطَنِ وَسُقُوطِ الدَّولةِ /
ضَاعَتْ قَارُورةُ العِطْرِ في المَزْبَلَةِ / والأغاني الوَطنيةُ كَانَتْ تاريخًا
للمَهْزَلَةِ /