وُلِد الأديب الفرنسي
أناتول فرانس ( 1844_ 1924) في باريس ، لعائلة تعمل في الفلاحة. ومعَ هذا فقد كان
والده مثقفًا وحريصًا على اقتناء الكتب . واستفادَ فرانس من مكتبة والده ، فأقبل
عليها بكل شغف ، وقرأ عشرات الكتب عن الثورة الفرنسية والتراث الإغريقي واللاتيني
. وتأثَّرَ بالفلسفة القائمة على الشُّكوك والاحتمالات والأسئلة. وتأثرَ بشكل خاص
بالكاتب الشهير فولتير، وأسلوبه الأدبي القائم على السخرية اللاذعة والانسيابية
والحيوية .
كانت طفولته خليطًا من السعادة والأحزان .
وأحزانُ طفولته مرجعها إلى وضعه المالي المتدنِّي مقارنةً مع زملائه الأغنياء في
المدرسة . لذلك كان يشعر بعُقدة النقص ، ويَعتبر نفْسه أقل شأنًا من باقي التلاميذ
بسبب طبقته الاجتماعية. كما أن قصص الحب الفاشلة التي عرفها في مطلع شبابه، تركتْ
جُروحًا عميقة في نفْسه ، وأحدثت خللاً في طبيعة شخصيته ، وغيَّرت كثيرًا من
أفكاره .
وعلى الرغم من هذه المعاناة ، إلا أن فرانس
كان يُبْرِز أحداث طفولته في كُتبه باعتبارها رمزًا للسعادة ، ومثالاً للحب
والحنين والذكريات الجميلة . وكأنه يُعيد اختراع طفولته من جديد ، ويكتب تاريخًا
جديدًا لحياته. لقد أرادَ إعادةَ صناعة حياته بعيدًا عن الواقع ، وكتابةَ تاريخه
الشخصي كما تَمَنَّاه في ذهنه لا كما عاشه . وبالتالي أسقطَ تصوراته الذهنية على
الواقع ، فصارَ الخيالُ هو الواقع الْمُعاش . وهذا المبدأ حقيقة ثابتة في حياته
الشخصية ، لا يمكن تجاهلها أو معارضتها ، خصوصاً إذا علمنا أن الاسم الحقيقي لهذا
الكاتب هو " أناتول جاك تيبو " . لقد اختارَ لنفْسه اسمًا جديدًا ،
وطفولةً جديدة ، وتاريخًا جديدًا . وهذا يشير إلى رفض الواقع والتمرد عليه . رسم
فرانس مسارَ حياته مُبَكِّرًا ، وقرَّر أن يُصبح كاتبًا ، فبدأ في مطلع شبابه
يُخالط الأوساط الأدبية ، وتعرَّف على الشاعر لوكونت دي ليل الذي ضمَّه إلى حلقة
شعراء البارناس . والبَرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني قام على معارضة الرومانسية
التي تقوم على مذهب الذاتية في الشعر ، وعرض عواطف الفرد الخاصة على الناس شِعرًا
، واتخاذه وسيلةً للتعبير عن الذات ، في حين أن البَرناسية تعتبر الفن غاية في
ذاته ، لا وسيلة للتعبير عن الذات ، وترفض التقيد سلفًا بأية عقيدة أو فكر أو
أخلاق سابقة ، وهي تعتبر شعار" الفن للفن" هو أساس وجودها. واختيارُ
فرانس للبَرناسية يشير بوضوح إلى حالة التمرد على السائد والمألوف ، والسباحة ضد
التيار .
نشر فرانس في عام 1868 كتابًا عن الشاعر دي
فينيي، ثم اشترك مع مجموعة شعراء البارناس في تأليف بعض الأشعار. وهذا الأمر
شجَّعه على مواصلة الكتابة . فصدر له بعد ذلك ديوان" القصائد المذهَّبة "
( 1873 ) ، وقد أهداه إلى أستاذه وأبيه الروحي ( الشاعر دي ليل ) .
كانت أول رواية ناجحة لفرانس " جريمة
سلفستر بونارد " ( 1881 ) ، وقد استقبلها النقاد بالتفاؤل والتقدير ، ومدحوا
كاتبها ورَأَوْا فيه موهبة أدبية حقيقية . وهذا المديح لفت الأنظار إليه بشدة ،
وجعل اسمه راسخًا في الحياة الأدبية الفرنسية ، فبدأ في عام ( 1886 ) كتابة عمود
أدبي لجريدة " لوتيمب " .
حقَّق فرانس شهرةً واسعة ، وذاع صِيته في كل
مكان ، بسبب نزعته الإنسانية ، وأسلوبه الأدبي الرَّشيق ، وسُخريته اللاذعة
المغلَّفة بالحزن ( الكوميديا السَّوداء )، ودقة ملاحظاته ، ورفضه للعنصرية والتطرف
، ونظرته الناقدة للمجتمع ، وتصويره البشر على أنهم مُخادِعون منافقون شهوانيون .
انتُخِبَ عُضْوًا في الأكاديمية الفرنسية
عام 1896، وبدأ يبتعد عن الكتابة الروائية ، ليتفرَّغ للسياسة والنقد الاجتماعي.
وفي هذه الفترة، صار يميل إلى الاشتراكية والشيوعية دون أن ينتميَ إلى أي حزب ، فقد
كان رافضًا للأحزاب وأفكارها الجامدة ، وتقسيماتها الهرمية التقليدية التي ترفض
الآراء المخالِفة وتعتبرها انشقاقًا وتمرُّدًا . وكان يُدافع على الدوام عن حرية
الفكر ، وضرورة فصل الدِّيني عن الدُّنيوي ، والاهتمام بالعِلْم باعتباره الضمانة
الأكيدة لتقدم البشرية .
حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1921 لمجموع
أعماله . وتبرَّع بالقيمة المالية للجائزة لمنكوبي المجاعة في الاتحاد السوفييتي .
مِن أبرز أعماله الأدبية : جريمة سلفستر بونارد ( 1881) . كتاب صديقي ( 1885) . تاييس ( 1890 ) . الزنبقة الحمراء ( 1894) . جزيرة البطريق ( 1908 ) . سيرة جان دارك ( 1908 ) . الآلهة عطشى ( 1912) . ثورة الملائكة ( 1914) .