وُلد الأديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو (
1913_ 1960) في الجزائر ، لعائلة من المستوطنين الفرنسيين. قُتل والده بعد مولده
بعام واحد في إحدى معارك الحرب العالمية الأولى ، وكانت والدته من أصول إسبانية
ومُصابة بالصَّمَم .
عاش في ظروف قاسية من الفقر والحرمان في
الجزائر ، لكنه تمكن من إنهاء دراسته الثانوية ، ثم تعلم بجامعة الجزائر من خلال
المِنَح الدراسية ، وذلك لتفوقه وذكائه ، حتى تخرَّج من قِسم الفلسفة بكلية الآداب
. وأثناء دراسته الجامعية التقط مرض السُّل ، مِمَّا أثَّرَ سلبًا على نشاطاته
الرياضية والدراسية . وقد عمل خلال سِنِيِّ دراسته في أعمال يدوية بسيطة .
كان كامو واحدًا من النجوم الاجتماعيين
لتيار الوجودية . كما يُعتبَر ثاني أصغر حائز على جائزة نوبل للآداب ( 1957) بعد
الكاتب البريطاني كِبلنغ . كما أنه أصغر مَن مات مِن كُل الحائزين على جائزة نوبل
للآداب . التحق بالحزب الشيوعي الفرنسي عام 1934 ، لمساندة الوضع السياسي في
إسبانيا الذي أدَّى إلى الحرب الأهلية الإسبانية، أكثر مِمَّا كان إيمانًا
بالماركسية اللينينية . وفي عام 1935، حصل على إجازته في الفلسفة . وفي عام 1936 ،
شارك كامو في نشاطات شيوعية جزائرية تُنادي بالاستقلال ، مِمَّا جَعله في مُواجهة
فكرية مع رفاقه في الحزب الشيوعي الفرنسي ، الأمر الذي عزَّز انفصاله عن العقيدة
الستالينية .
عمل بشكل متقطع في المسرح والصحافة ، وكتب
أثناء عمله الصحفي عن ظروف العرب السَّيئة ، الأمر الذي كَلَّفه وظيفته . ثُمَّ انخرط
في المقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال الألماني ، وأصدر مع رفاقه في خلية "
الكفاح " نشرة تحمل نفس الاسم، ثُمَّ تحوَّلت بعد تحرير باريس إلى صحيفة " الكفاح " اليومية ، التي تتحدَّث
باسم المقاومة الشعبية ، واشترك في تحريرها جان بول سارتر . ظهرت التوجهات الفكرية
لكامو في كتابه " على الوجه وبالمقلوب " ( 1937) ، وهو سيرة ذاتية ،
عبَّر فيها عن المشاعر المتناقضة التي تقوم على حب الحياة واليأس منها ، وتتأرجح
بين الشعور بالعزلة ومأساوية الوجود والانبهار بالكَون . وكانت الطبيعة المتوسِّطية بالألوان والضياء حاضرةً في
أعماله ، وعلى الأخص في كتاب " الصَّيف " ( 1954) . أحب كامو المسرح ،
فأسَّس وأدار فِرقةً مسرحية . وكان يقوم بالتمثيل والإخراج ، وإعداد المسرحيات كما
في مسرحية"قُدَّاس من أجل راهبة"(1956)المأخوذة عن فوكنر،و"
الممسوسون" ( 1959) المأخوذة عن دوستويفسكي . وسَمحت الكتابة الصحفية لكامو بإيجاد طريقة مباشرة
للتعبير والنضال من أجل العدالة ، وتصويرِ الواقع بكل ما فيه من بُؤس وانهيار .
وهذا يتجلى في وصفه للحالة السَّيئة لسكان منطقة القبائل في الجزائر ، وأيضًا
المقالات التي كتبها عن الأحياء الفقيرة ، ونُشرت بعد مَوته .
تنقسم أعمال
كامو إلى مجموعتين أسماهما : حلقة التمرد وحلقة العبث . فكانَ أولَ من أطلق
تسمية"العَبث"التي صارت تيارًا أدبيًّا وفلسفيًّا نال شُهرةً كبيرةً في
الخمسينيات من القرن العشرين. والعَبثُ بالنِّسبة لكامو هو شُعور القلق المتولِّد
عن الإحساس بوطأة التاريخ . هذا الإحساسُ بعبثية الحياة يُولِّد التمرد الذي يُمكن
أن يَكون فرديًّا في بداية الأمر ، ثُمَّ يتحوَّل إلى تمرُّد جماعي. لقد تمرَّد
كامو على آلية الحياة الميكانيكية ، فالإنسانُ يعيش على وتيرة واحدة إلى أن يَصحوَ
يَومًا، ويَشعر بأنه غريب ووحيد في هذا العالَم، وأن الزمن هو العدو الذي يُبدِّد
جُهودَه ، ويَرميه في أحضان الموت . وهذه هي الحقيقة التي يُفترَض أن يتصدى لها هذا الإنسان
، فلا أخلاقياتُه ولا جُهوده ولا ذكاؤه ، تُجدي نفعًا أمام هذا العالَم العبثي
المليء باللاعقلانيين .
والحرية
التي يَظن أنه يتمتع بها وهمية ، فهو عبد للأحكام المسبقة والعادات . وتبقى
العلاقاتُ البشرية زائفة، والتواصل مَفقودًا، وسُوء الفهم هو المسيطِر ، فتزداد
الفَجوة بين الناس . والإنسانُ الصامتُ هو الضحية والمجرم الْمُدان . وقد ثار كامو
على الأعراف والأيديولوجيات القائمة على الاستعباد والتَّخويف ، كما نَدَّدَ
بأسطورة التطوير والتقدم التي تَخدع الناس مُتذرِّعة بوعود مستقبلية ، لتبرير ظُلم
الحاضر ، وشَرْعنة الرضوخ والاستسلام ، بدلاً من إيجاد ظروف أفضل . كَرِهَ كامو الهروب أو الانتحار، ووجد نَفْسَه
في التمرد على القيم الاجتماعية والعقائد الدينية، وكذلك في مُواجَهة
الموت،وتقبُّل الوضع الإنساني دُون عَقْد الآمال على الغد أو على حياة أخرى. أمَّا
السؤال الأساسي الذي تطرحه أعمال كامو : هل الحياة جديرة بأن تُعاش ؟ . ومَعَ أنه
رفض إعطاءَ جواب متكامل عن ذلك ، إلا أنه أوحى بأنه يُمكن للإنسان تجاوز عبثية
الحياة من خلال وَعْيه وتمرُّده المستميت .
تُوُفِّيَ
كامو في حادث سيارة في عام 1960 . والعجيبُ أنه كان قد عَلَّقَ في أوائل حياته
الأدبية أنَّ أكثر موت عبثي يُمكن تَخَيُّله هو الموت في حادث سيارة ! .
مِن أبرز رواياته: الغريب ( 1942) . الطاعون ( 1947) . السقوط ( 1956) . ومن أبرز مسرحياته : سُوء الفهم ( 1944) . كاليجولا ( 1945) . في حالة حصار عسكري ( 1948).