وُلِد الشاعر الروسي
ألكسندر بوشكين (1799_ 1837)في موسكو.نشأ في أسرة من النبلاء كانت تعيش حياة الترف
واللهو، تاركةً أمر الاعتناء بالطفل بوشكين إلى الخدم والمربِّين الذين كانوا
عُرضة للتغيير دائمًا ، إلى جانب عدم إتقانهم اللغة الروسية إتقانًا تامًّا . وكان
أبوه شاعرًا بارزًا في ذلك الوقت، فساعد ذلك على ظهور موهبته الشعرية مبكرًا،
بالإضافة إلى ذكائه وذاكرته الخارقة. تلقَّى بوشكين تعليمه في معهد النبلاء
للتعليم الثانوي والعالي مَعًا ، ومدة الدراسة به ست سنوات ، وقد أنشأ هذا المعهد
" ألكسندر الأول
" لتجهيز شباب الأسر الروسية العريقة لِتَوَلِّي المناصب الهامة في دوائر
الحكومة القيصرية مستقبلاً .
الْتَفَّت حول بوشكين أثناء حياته الدراسية
حلقة مِن الأدباء والمفكرين والشعراء ، وقد لاحظ الكثير من أساتذته موهبته العالية
في نظم الشِّعر، وتميَّزت أحاسيسه بالقوة ، وكان مُحِبًّا وعطوفًا على عامة الشعب
. وقد حدثت بعض الوقائع التاريخية في أثناء دراسة بوشكين بالمعهد ، وهي : مساهمة
روسيا في السياسة الأوروبية، وغزو نابليون لروسيا ، وحرق موسكو، وزحف الجيوش
الروسية على أوروبا، وسقوط باريس، والقبض على نابليون ونَفْيه.
كُل ذلك دفع بوشكين إلى المطالبة بالحرية في روسيا . وقد أثَّرت سنوات دراسة
بوشكين في تعزيز نزعته الأدبية والسياسية ، كما كتب العديد من القصائد الشعرية في
أثناء دراسته بالمعهد . وبعد أن تخرَّج من المعهد أُسْنِدت إليه وظيفة في وزارة
الخارجية الروسية. وعندما تنتهي ساعات العمل ، يَذهب إلى مجتمعات "سانت
بطرسبورج" فيرتاد أنديتها الأدبية والعلمية . وعُرِف عن بوشكين حُبه للتجديد في
شِعره ، الذي كان يهدف من خلاله إلى إلغاء القيصرية ، والقضاء على حق استرقاق
الفلاحين.وعُرف العهد الذي عاش فيه بوشكين بالاستبداد الاجتماعي،فكانت السُّلطات
مُركَّزة بين القيصر والنبلاء. وكان بوشكين الذي انحدر من أسرة نبيلة يُعبِّر عن
انحلال وسطه، ويطالب بحرية الشعب، بوصفه المرجع الأول والأخير للسُّلطة . وكان أول
من دعا إلى الحد من سيادة النبلاء في روسيا، وكان ناقمًا على مجتمعه ومُطالبًا
بتقييد الحكم القيصري ، وإعلاء شأن النظام الديمقراطي بين الناس. ولكن ما يُؤخَذ
عليه أنه حصر آماله في الحصول على بعض الحريات السياسية والثقافية . تأثَّر بوشكين
في بداياته بالأدب الفرنسي ، ثم اتَّجه إلى الأدب الإنجليزي ، وحاولَ تقليد شكسبير
في مسرحياته مع احتفاظه بالطابع الروسي.والجديرُ بالذِّكر أن بوشكين زار القرم
والقوقاز وتأثر بالمحيط الإسلامي ، وكتب بعض القصائد التي تشير إلى هذا التأثير ،
وفي أثناء هذه الزيارة اهتم بتعلم اللغة العربية
. وكان بوشكين متحمسًا للاتجاه العاطفي الرومانتيكي ، لأنه كان يعتبره منافيًا لسائر
الأساليب التي يقوم عليها الأدب الكلاسيكي المزيَّف، وكذلك فإنه يعطي للكاتب حق
التصرف بالفكرة الموضوعة، ولكنه ما لبث بعد فترة أن غيَّر اتجاهه إلى الواقعية،
وألَّف بعض الأعمال التي عبَّرت عنها ، فجاءت من صميم الحياة . وقدَّم بوشكين
للقارئ من خلال أعماله صُوَرًا من حياة أشراف روسيا ، ونمط معيشتهم ، وما اتَّسمت
به الطبيعة الروسية .
في عام 1831 تزوَّج بوشكين واحدةً مِن أجمل
فتيات روسيا ، وأنجب منها أربعة أبناء . وقبل وفاة بوشكين، كان مُضْطَهَدًا مِن
القيصر الذي كان يُضايقه دائمًا، إمَّا بنقله من مدينة لأخرى، أو إعطائه بعض
الوظائف التي لا تليق بمكانته .
تُوُفِّيَ بوشكين
مقتولاً في مُبارزة له مع أحد النبلاء الفرنسيين دِفاعًا عن شرفه في وجه الشائعات
التي أُشِيعت حول علاقة زوجة بوشكين بهذا الشاب الفرنسي ، وكانت زوجته بريئة منها
.
اهتمَّ بوشكين بتراخي الشعب الروسي وقضاياه
، سواء كانت اجتماعية سياسة أَم تاريخية . وتُعَدُّ روايته " دوبرفسكي "
( 1833) التي تحكي عن شاب هارب من إحدى طبقات النبلاء ، أعظم ما كُتِب في تاريخ
الأدب الروسي، فمن خلالها رسم بوشكين صورة للحياة الروسية في بداية القرن التاسع
عشر، وما كان سائدًا من استبداد النبلاء ، واسترقاق الفلاحين في ذلك الوقت .
وقد تحدَّثَ في كثير من أشعاره عن الطبيعة ،
والحب ، والصداقة ، ووطنية الشعب الروسي .
أمَّا روايته " أوجين "
فَتُعتبَر أول رواية شِعرية واقعية في تاريخ الأدب الروسي ، وقد حصلت على لقب
"موسوعة الحياة الروسية"، حيث يظهر فيها أمام القارئ جميع طبقات المجتمع
الروسي في ذلك الوقت . وتميَّزت كتاباته بالواقعية ، فكان أول من دعا إلى المذهب
الواقعي في الأدب الروسي، الذي يقوم على وقائع الحياة البشرية، وصوَّر جميع طبقات
المجتمع الروسي من فلاحين، وأشراف ، وصُنَّاع ، وحرفيين ، وأعيان نبلاء .
يُعتبَر بوشكين مِن أعظم الشعراء الروس في
القرن التاسع عشر، ولُقِّب بأمير الشعراء . وعلى الرغم من مقتله في سن صغيرة ، إلا
أنه ترك الكثير من الآثار الأدبية، لدرجة أن قُرَّاءه يشعرون أنه قد عمَّر طويلاً
. ويُعتبَر عصره هو العصر الذهبي للشِّعر الروسي، وهو عصر التقارب بين الأدب
الروسي من جهة ، والآداب العربية والشرقية من جهة أخرى .