يُعتبَر الكاتب المسرحي
اليوناني أسخيلوس ( 525 ق.م _ 456 ق. م ) مِن مُؤسِّسي اللون التراجيدي في الأدب
اليوناني ، ومِن أهم كُتَّاب المأساة الإغريقية على الإطلاق .
كتب العديد من المسرحيات التي جسَّدت
التاريخ اليوناني ، ويُقدَّر عددها بحوالي سبعين مسرحية، ولَم يصلنا في الوقت
الحالي منها سِوى سبع مسرحيات ، هي: الفرس ( 472 ق. م ) . سبعة ضد طِيبة ( 467 ق.م ). برومثيوس مُصَفَّدًا ( 465
ق. م ). الضارعات ( 463 ق.م ). "
أجاممنون " . " حاملات الشراب " ( 458 ق. م ) . رَبَّات الغضب (
458 ق. م ) .
هناك
إجماع مُنذ القديم على أن أسخيلوس هو أبو فن المأساة . فقد كان له فضل تثبيت أُسس
المأساة من الناحية الفنية ، إذ كان المسرح اليوناني قبله يعتمد على مُمثِّل واحد
يقوم بالأدوار المختلفة ، ولاسيما دَوْرَيْ الإله والبطل ، وذلك بأن يصبغ وجهه
بالمساحيق ، ويُحدِث بعض التغييرات في ملابسه . وسُرعان ما أدركَ أسخيلوس فداحة
هذا القُصور الفني ، فأقدمَ على إضافة مُمثِّل ثانٍ ، وأدخل تعديلاً على دور
الجوقة ، مِمَّا ساعد على إبراز الصراع الذي تقوم عليه فكرة المسرحية اليونانية .
وكذلك اهتمَّ بملاءمة الملابس والأزياء لطبيعة القصة . واعتنى بصقل الأقنعة وإتقان
صنعها لِتُعبِّر تعبيرًا متناسبًا عن انفعالات البطل . وبوجهٍ عام ، اعتنى
بالإخراج والْمَشَاهِد، وحثَّ الممثلين على إجادة أدوارهم ، وبذل الجهد لإشعار
المتفرِّجين بأنهم يَرَوْنَ شيئًا حقيقيًّا ، وليس مُجرَّد تمثيل .
كان أسخيلوس _ مِثل غَيره
مِن كُتَّاب اليونان في تلك الفترة _ يكتب ويستمتع بالحياة ، ويعرف كيف يعمل وكيف
يتكلم . وأخرج في عام 499 ق. م، ( وهو في السادسة والعشرين ) مسرحيته الأولى . وفي
عام 490 ق.م حاربَ هو وأخواه في واقعة مرثون ، وأظهروا من الشجاعة ما جعل أثينا تأمر
بعمل صورة تُخلِّد بها بطولته . وفي عام 484 ، نال جائزته الأولى في العيد
الديونيشي. وفي عام 480 ق.م حاربَ في أرتميزيوم وسلاميس ، وفي عام 479 ق.م في بلاتيه ، وفي 476ق.م و470 ق.م ، زارَ سرقوصة واسْتُقْبِل
بمظاهر التكريم في بلاط هيرون الأول . وفي 467 ق.م حقَّق نجاحًا هائلاً
وارتفعت مكانته على أثر ظُهور مسرحيته "سبعة ضد طِيبة ". وفي عام 458
ق.م نالَ آخر انتصاراته وأعظمها بإخراج
أورستيا مسرحيته الثلاثية.وفي عام456ق.م عاد إلى صِقِلِّية ، حيث وافته مَنِيَّتُه
في تلك السنة نفسها .
أضفى أسخيلوس
على المأساة جلالاً وصوفية ، وتعمَّقَ في معالجة الموضوعات الدينية الوجودية مِثل
: علاقة الآلهة بالناس ، وتسلُّط القوى العُليا على الإنسان ، ومشكلة وجود الشر في
عالَم تسيُّره الآلهة ، ومسألة الصراع الحاد بين الإرادة الحرة وجبروت القَدَر . وإلى
جانب إرادة الآلهة وعناء البشر هناك دائمًا قوة القضاء التي تُحتِّم على الناس
وآلهتهم في النهاية أن يستسلموا ويقبلوا مصيرهم صاغرين ، حتى بدا الناس والآلهة في
كثير من مسرحياته مُجرَّد آلات لا بُد لها من تنفيذ ما رَسم القضاءُ على الرغم من
كل محاولاتها للاحتجاج والمعاندة .
تتَّصف مسرحيات أسخيلوس بالصراحة والرزانة ،
وتسودها مسحة غنائية مُتَّشحة بالشُّؤم . وغالبًا ما يتكشَّف هذا الشؤم بالتدريج
من خلال تطور الصراع بين البشر والآلهة ، وذلك لأن عَظَمة البشر تُثير حسد الآلهة ،
والغطرسة يتبعها الضلال ، والأرباب يقفون للمُتكبِّر بالمرصاد ويُصيبونه بالجنون
والعمى . وإنزالُ العقاب هو الحدث الرئيسي في المسرحية ، وهو شديد مُخيف يتَّخذ صورة
طقوس دينية محفوفة بأسرار ذات طابع غَيْبي .
كان لأسخيلوس تأثير كبير في مستقبل المسرح
المأساوي ، ليس فقط على مستوى التجربة اليونانية، بل امتدَّ تأثيره عميقًا في
التاريخ الحديث للمسرح . وعلى الرغم مِمَّا طرأ على الدراما مِن تغييرات ، فإن
تأثير أسخيلوس ، سواءٌ مِن ناحية الموضوع العظيم أَم مِن ناحية مبدأ الإتقان الفني
ظَلَّ مُتَّصِلاً .
لَم يكن أسخيلوس مؤمنًا تقيًّا. والدليل على
ذلك أن في مسرحياته كثيرًا من العبارات الدالة على الإلحاد. وقد اتُّهِم بالكشف عن
أسرار الطقوس الدينية ، ولَم يُنقذه مِن هذه التُّهمة إلا شفاعة أخيه مينياس الذي
كشف عمَّا أُصِيب به مِن جُروح في سلاميس .
كان أسخيلوس يعتقد أن الأخلاق الصالحة تعتمد
على قوى غير قوى البشر ، لكي تصمد أمام قوة الغرائز الْمُضِرَّة بالهيئة
الاجتماعية . وكان يُعظِّم الدين ، ويُحاول أن يَسموَ عن الشِّرك ، ويُفكِّر في
التوحيد، ولكن مِن منظور مُنحرف ، بِحُكم البيئة اليونانية الوثنية الغارقة في
تعدُّد الآلهة.
نُقِشَ على شاهد قبر أسخيلوس عبارة كتبها بنفْسه.والغريب أنها لَم تَذكر شيئًا عن مسرحياته. وهذه العبارة يَفخر فيها بِنُدوب جراحه : (( تحت هذا الحجر يرقد أسخيلوس ، الذي تُحدِّثنا عن بسالته أيكة مرثون ، أو ملكة الفُرْس ذات الشَّعْر الطويل الذي يعرفه حق المعرفة )) .