وُلِد الشاعر الفرنسي
ألفريد دي موسيه ( 1810 _ 1857 ) في باريس ، وتُوُفِّيَ فيها . ينتمي إلى أسرة ميسورة
مُثقفة تتذوق الشِّعر . لكنه كان فقيرًا . عمل والده في مناصب حكومية هامة عديدة ،
لكنه لَم يُعْطِ ابنه مالاً قَط . وكانت أُمُّه مِن سيدات المجتمع ، وقد تَرَكَتْ
حُجرةُ الرسم الخاصة بها واستقبالاتها وحفلاتها انبطاعًا عميقًا في نفس ألفريد
الشاب .
ظهرت بوادر موهبة دي موسيه في صباه ، فقد
كان مُولعًا بتحويل القصص الرومانسية التي كان يقرؤها إلى مسرحيات مُصغَّرة . وبدأ
نظمه للشِّعر عام 1824 ، ولمع اسمه مُنذ أن كان تلميذًا في معهد هنري الرابع . كان
يحب الموسيقى والرسم، وتردَّدَ في دراسته بين الحقوق والطب إلى أن استقر، وتفرغ
نهائيًّا للأدب .
شاركَ مُنذ عام 1824 في الندوة الأدبية
الإبداعية التي كانت تجمع كبار المبدِعين . وقد لفت أنظار مُعاصريه،وأثار قلقهم
عندما كشف في أُولى مؤلفاته"حكايات من إسبانيا وإيطاليا " ( 1830) عن
إعجابه بالفن الاتِّباعي ( الكلاسيكي ) ساخرًا مِن شطط المبدِعين ومُغالاتهم .
فُجع بوفاة والده عام 1832 ، واضْطُرَّ إلى
كَسب عَيشه ، ففكَّرَ في الكتابة للمسرح، وبدأ بمسرحية " عرض مسرحي على مُتَّكَأ
"، أتبعها بِمَلهاة " بِمَ تحلم الفتيات ؟ ". مسرحيتان بقيتا على
الورق غير صالحتين للعرض .
أمَّا قصيدته " رولا "، فقد
أكسبته الشهرة . وقد تحدَّثَ فيها الشاعر عن ضياع جيل بأكمله مُمَثَّلاً بشخصية
شاب في التاسعة عشرة يتميَّز بخصال حميدة من شهامة ونُبل وكرم وصدق وبراءة، إلى أن
جرفه سَيل الانحطاط الذي يعيشه عصره، ففقد الإيمان والمبادئ والقيم، واستسلم
لأهوائه، وبدَّد ثروته، وأنهى بالسُّم حياته . وقد ترك دي موسيه بصيص أمل في لحظات
الشاب الأخيرة ، عندما اكتشف الحب الصادق لدى إحدى بنات الهوى التي حاولت إنقاذه
من الموت .
التقى دي موسيه الأديبة الفرنسية جورج صاند
عام 1833 ، وكانت تكبره بست سنوات . واعتقدَ للوهلة الأولى أنه وجد ضالته ، وأنها
المرأة المثالية التي ستأخذ بيده لترفعه من الحضيض . وذهبا معًا إلى البندقية ، حيث صدمته خيانة
صاند مع طبيبه باجيلو عندما لزم الفراش مُصابًا بِحُمَّى التيفوئيد . ففقدَ دي موسيه
ثقته بالحياة وبالمرأة التي رأى أن طبيعتها تتلخَّص في كلمتين : حُب الذات
والتَّعَجْرُف .
كان حُبُّه لصاند أقوى مِن أن ينتهيَ بسرعة ،
وبقيت العلاقة بينهما على مستوى مُراسلات ربطتهما بصداقة إلى أن انفصلا نهائيًّا .
وعندما نُشرت هذه المراسلات دخلت تاريخ الأدب .
عاد الشاعر بعدها إلى حياة اللهو والعلاقات
العابرة، وكانت قريحته الشعرية تواكب انفعالاته، فكتب " نزوات ماريان "
، و " لا مزاح في الحب " ، و" فنتازيو " .
وكُلها تُبرِز شخصيات مزاجية متقلبة غير مستقرة .
أمَّا " لورنزاتشو " ( 1834 ) فهي
دراما تاريخية يتقرَّب فيها لورنزاتشو من الطاغية ألكسندر دي
مديتشي الذي يحمل له _
لأسباب سياسية _ كراهية، فَيُشاطره ميوله الفاسقة للنيل منه .
عُرِف دي
موسيه بأنه شاعر الهوى والنَّزوات والأشجان ، وحملت مؤلفاته بعد هذا التاريخ آلامه
. وتُعَدُّ روايته " اعتراف ابن العصر" ( 1836 ) سيرةً ذاتية ضمَّنها
الذكرى المؤلمة وضياعه مع جيل بأكمله . كان في داخله صراع بين الطُّهْر والفجور ،
وصفه في " لورنزاتشو " بأنه داء يُفقِد نضارةَ الوجه وطهارةَ الروح ،
ويُخلِّف رَجلاً تائهًا لا حيلة له . أمَّا أسلوب الشاعر فهو استفزازي مضطرب ، يُخفي
مشاعر جيَّاشة تميل إلى العنف والانتقام .
كان دي موسيه يختلف عن الأدباء مِن مُعاصريه،فقد
رأى في الشاعر شاعرًا وحَسْب، لا يُنتظر منه أي دور اجتماعي أو سياسي. وجُل ما
يحتاج إليه انفعالات يعيشها في وقتها لتكون إلهامه.
وفي عام 1852 ، صار عُضْوًا في الأكاديمية الفرنسية . وكان قد توقَّفَ عن الكتابة بعد أن جَفَّت قريحته وخمل ذِكره كشاعر .