وُلِدت آنا أخماتوفا ( 1898 _ 1966 )
في أوديسا في روسيا القيصرية لعائلة يهودية ثرية . وتُوُفِّيَت في ضواحي العاصمة
موسكو . اسمها الحقيقي آنا أندرييفنا غورنكو .
تميَّزت
مُنذ صغرها بطبعها الحاد، وفي نفس الوقت اتَّسمت بالذكاء والفطنة ، فتعلمت القراءة
وهي في سن الخامسة من أعمال الكاتب الروسي الشهير تولستوي ، وأجادت اللغة الفرنسية
وهي تسترق السمع لدروس الفرنسية التي كان يتلقاها أشقاؤها.
التحقت بالمدرسة الأدبية عام 1900، وأمضت
فيها خمسة أعوام ، ثم انضمت إلى مدرسة خاصة في كييف ، وتلقَّت دورات في الأدب
والتاريخ عام 1908 . تجوَّلت _ على غرار أغلبية أبناء الأثرياء والنبلاء حينذاك _
في أوروبا، فزارت باريس وروما وتعرَّفت على عدد من رموز الثقافة والأدب هناك .
صدرت أول مجموعة شعرية لها في عام 1912 ،
تحت عنوان " أمسية ". ثم أتبعتها بمجموعة ثانية في عام 1914 بعنوان
" المسبحة " ، ومجموعة ثالثة في عام 1917 بعنوان "القطيع
الأبيض"، ومجموعة رابعة في عام 1921 بعنوان " أعشاب على جانب الطريق "
.
وقد عكست _ في كل هذه المجموعات _ هَمَّها
الخاص ، وخلطته بتناول التطورات السياسية الجارية في بلادها ، فكان هذا كافيًا
لدخولها دائرة المحظور، إذ أمرت السلطات بعدم نشر أشعارها وأعمالها الأدبية خلال
الفترة ( 1923_ 1934) .
ساهمت فترة المنع هذه في انضمامها إلى اتحاد
الكُتَّاب السوفييت عام 1938 ، لكنها عادت فأصدرت مجموعة شعرية حزينة تارة ومتمردة
تارة أخرى عام 1939،تحت عنوان " مرثاة"، وخصَّصتها للحديث عن " العسف
السياسي" في بلادها، وتجربتها الخاصة مع إعدام زوجها الأول نقولاي غوميليوف
في عام 1912 ، واعتقال ولدها الوحيد والزج به في السجن مدة طويلة .
لَم تُؤدِّ هذه المجموعة إلى أي رد فعل من
السُّلطات السياسية التي كانت تُعِد العُدَّة للانخراط في الحرب العالمية الثانية
ضد ألمانيا النازية ، والتي دهمت الشاعرة في مدينة لينينغراد التي أحكم النازيون
حولها حصارًا ضاريًا،وأصَرَّت السُّلطات السوفييتية على مطالبتها الشاعرة أخماتوفا
بمغادرة المدينة إلى طشقند في آسيا الوسطى، وبعد انتهاء الحرب كانت من أوائل
العائدين إلى مدينتها التي طالما تغنَّت بها .
لكن السُّلطات السوفييتية لَم تغفر لها
مجموعتها الشعرية "مرثاة" فأوعزت للنقاد بشن هجمة ناقدة لإنتاجها الأدبي
على صفحات أهم المجلات الأدبية في ذلك الحين، وأتبعت ذلك بقرار يقضي بفصلها من
اتحاد الكتاب السوفييت عام 1946 .
أصدرت مجموعة شعرية عام 1950 تحت عنوان
" المجد للسلام " ، في خطوة تصالحية مع السلطات السياسية، وللتوسط
لمصلحة ولدها الذي عاد مُجَدَّدًا إلى المعتقل .
ساهمت هذه المجموعة الشعرية في الإذن بعودتها
إلى اتحاد الكُتَّاب السوفييت . وفي عام 1956 أفرجت السُّلطات عن ولدها ، لكنه
تنكر لمعاناة والدته ، مِمَّا زاد آلامها ، وعمَّق شعورها بالوَحدة والانكسار ،
ولهذا كانت مجموعة "أشعاري" التي صدرت في ذلك العام هي الأكثر سوداوية
في عطائها الأدبي .
مُنحت أخماتوفا جائزة الشِّعر والأدب في
إيطاليا عام 1964 . لكن جائزتها الحقيقية جاءت مع بداية عهد البيروسترويكا (
الانفتاح ) في الاتحاد السوفيتي خلال ثمانينيات القرن العشرين، حين سُمح بطباعة
إنتاجها الأدبي والفكري ، وأعمالها في مجال نقد الأدب ، وصدرت جميع أعمالها
الشعرية، بل وأكثر من ذلك تحوَّلت إلى بطلة في عشرات الأفلام السينمائية والأعمال
المسرحية، وأبدع الرسامون في كتابة " بورتريه أخماتوفا " .
تُعتبَر أخماتوفا من أبرز شاعرات روسيا في عهد الاتحاد السوفييتي، ومن أشهر المؤثرين في الشعر الروسي، وقد تَمَّ ترجمة أعمالها إلى العديد من اللغات، وتم اعتبارها من أشهر شعراء الروس في القرن العشرين .