وُلِد الشاعر الإنجليزي
ألفريد تنيسون ( 1809 _ 1892 ) لعائلة مُتَدَيِّنَة في بلدة سمرسبي التي كان أبوه
راعي أبرشيتها ، وكان مدمن كحول ، فأثَّرَ ذلك
في نفسية الطفل تنيسون ، وتأثر أيضًا بوفاة ثلاثة من أخوته في سِن مبكرة .
شعر تنيسون بالإحباط من أسلوب التدريس في
المدارس العامة ، وعَدَّه عقيمًا ، فانكفأ على القراءة من مكتبة أبيه، واطَّلعَ
على أمهات الكتب الكلاسيكية القديمة في سِن مبكرة، كما اطَّلعَ على أهم أعمال
مؤلفي القرنين السابع عشر والثامن عشر،وهو اطلاع ظهر تأثيره في أعماله كلها.
بدأ
كتابة الشِّعر
مُنذ صِغره ، فكتب أول قصيدة حين كان في
العاشرة. وحِين صار في السابعة عشرة من العمر أصدر ديوان " قصائد لأخَوَيْن
" ، ألَّفه مع اثنين مِن أُخوته .
تَمَيَّزَ شِعره في تلك المرحلة بالرومانسية
الحالمة والحزينة ، وبالتساؤل عن معنى الحياة والموت، وهي أسئلة عاد إليها الشاعر
كثيرًا في مراحل مختلفة من حياته .
انتسبَ تنيسون إلى كلية ترينتي في جامعة كامبردج ، وهناك
بزغ اسمه شاعرًا مُتَمَيِّزًا . وأصدر في سِنِيِّ الدراسة
الديوان الذي أشهر اسمه لجمهور القُرَّاء " قصائد جُلُّها غنائية " (
1830) .
انضمَّ في حياته الجامعية إلى حركة "
الرُّسُل " ، التي ضَمَّت بعض ألمع الأسماء في تلك المرحلة، وكانت حركة فكرية
سعت إلى نشر الأفكار التقدمية في الأدب والفكر والفلسفة .
تُوُفِّيَ
والده في أثناء دراسته الجامعية ، فانقطعَ عن الدراسة مِن دون أن يحصل على أي
شهادة. تأثَّرَ
الشاعر كغيره في مطلع العصر الفكتوري بشعر العصر الإبداعي (الرومانسي)، وخاصة
بأعمال كولردج وكيتس . وأظهرت أعمالُه _ بشكل واضح وخاص _ تأثره بِنَزعة كيتس إلى
رفض الصور والأفكار المجرَّدة . واستخدمَ لغةً تُركِّز على الموضوعات الحِسِّية
والصور الملموسة .
مِن أشهر قصائده التي تُبرِز هذه النَّزعة :
" سيدة شالوت "، و" آكلو اللوتس " ( 1832) . وكمعظم شعراء
عصره، تَحَوَّلَ تأثره في سِن الشباب بالحركة الإبداعية،إلى انتقاد شديد
لروحانيتها في المراحل المتأخرة مِن عُمره ، فجاء عدد من أعماله في مرحلة النُّضج
مُتَضَمِّنًا نَقْدًا غير مباشر للشعراء الإبداعيين ، وتعبيرًا مباشرًا عن رفض
جيله لإرثهم .
اخْتِير تنيسون شاعرًا رسميًّا للبلاط في
عام 1850 . وفي العام نفسه نشر قصيدة رثاء استغرق ستة عشر عامًا في نظمها "
في ذكرى أ . هـ . هـ " . ألَّفها عن حياته وحياة صديقه الحميم آرثر هنري
هَلاَّم ، الذي تُوُفِّيَ في سِنِيِّ الدراسة الجامعية، وجاءت في مئة وواحد
وثلاثين قِسْمًا. حاولَ في هذه القصيدة أن يَتعرَّض لمراحل الحزن التي يمرُّ بها
الإنسان ، لتجاوز محنة وفاة الأقارب والأصدقاء ، فجمعت أقسامها بين التعبير عن
مشاعر الفقدان ، وتحليل أسباب تلك المشاعر . اهتمَّ تنيسون بإعادة كتابة بعض قصص
التاريخ والأساطير القديمة ، مِمَّا جعل من ديوانه " أناشيد الملِك " ،
الذي كتبه عن حياة الملك الأسطوري آرثر، نموذجًا مُتَمَيِّزًا لهذا النوع من
الكتابة في عصره . وركَّز هذا العمل على تحليله للصراع الأزلي بين الحِسِّيات
والمجرَّدات، فكان تعبيرًا عن الاتجاهات الشعرية في عصره ، حين اشتد الجدل بين
هذين الاتجاهين في الكتابة .
أظهرت بعض أعماله اهتمامًا واضحًا بالشرق
العربي وشِعره، وذلك نتيجة حركة الاستشراق التي عمَّت أوروبا في القرن التاسع عشر
، فجاءت مقدمة قصيدة " لوكسلي هول "، لِتُظْهِر تأثره
بمعلقة امرئ القيس، ولا سِيَّما مطلع القصيدة على
أطلال بناء لوكسلي .
وقفَ تنيسون في وجه تيار معاصر ينادي
بالمادية وإطلاق الغرائز والابتعاد عن الإيمان، وحاربَ كُل ما يدفع الإنسان لليأس
والعنف بكل أشكاله بما في ذلك الحرب . وكانَ أكثر ما يُميِّزه غزارة إنتاجه الشِّعري
، وتأثيره في معظم شعراء عصره ، حتى أطلق النقاد على العصر الفكتوري اسم "
عصر تنيسون ". يُعْتَبَر تنيسون أستاذًا للشِّعر الغنائي، كما يُعْتَبَر
الشاعر الذي يُمثِّل عصره . مِن قصائده المميَّزة " يوليسيس " . وهي
قصيدة غنائية تحكي قصة مَلِك لا يحب وجوده في مملكته للحُكم ، ويَعتبر الأمر إضاعةً
الوقت، وهو يُفكِّر بالسَّفر واستكشاف البحار والوصول إلى الجزر السعيدة .والفكرة
الرئيسية للقصيدة هي تحقيق الطموح .
ينتمي الشاعر للفترة الفكتورية التي نشط
فيها العِلم على حساب الدِّين ، وأخذت أفكار الْمُحْدَثِين أمثال داروين تتعارض مع
الأفكار الدينية. وقد حاولَ تنيسون أن يَجمع بين الاثنين العِلم والدِّين . ويوجد
في قصائد تنيسون _ كما في قصائد باقي الشعراء في العصر الفكتوري _ الانقباضية
والكآبة، وهي ناشئة مِن الشعور بعدم الجدوى من الحياة في المجتمع ، والتي أصبحت مِن
دُون طَعْم. ويتميَّز هذا العصر أيضًا بثلاث نقاط بارزة مَثَّلت أهم الأحداث هي :
الثورة الصناعية، وظهور الديمقراطية ، وظهور العِلم وتأثيره على الدِّين . والشاعر
تنيسون يُمثِّل كل جوانب العصر الفكتوري . ومِنها وصف الطبيعة ، فهو له القابلية
على رصد وملاحظة الطبيعة ، والطبيعة بالنسبة له قاسية وحادَّة .
تُوُفِّي تنيسون في أولدورث ، ودُفِن في زاوية الشعراء في كنيسة وستمنستر .