وُلد الفيلسوف الألماني من أصل يهودي رودلف كارناب(1891_
1970 ) في رونسدورف بالقرب من بارمن في ألمانيا ، وتُوُفِّيَ في كاليفورنيا .
درس
في جامعتَي فرايبورغ ويينا ( 1910 _ 1914 ) حيث تخصص في الفيزياء والرياضيات
والفلسفة.وتأثرَ كثيرًا في يينا بأستاذه فيلسوف المنطق فريجه.وحصل في عام 1929 على
الدكتوراة من الجامعة نفسها برسالة عنوانها " المكان : إسهام في نظرية العِلم
" ، وكان لراسل وفيتغنشتاين أعظم الأثر في تكوينه الروحي، وكذلك لجماعة فيينا
التي كانت تُبشِّر بفلسفة علمية تهدف إلى توحيد العلوم ، وتصطنع منهج التحليل
المنطقي ، فصار من شخصياتها البارزة وعضوًا نشطًا فيها .
درَّس منطق العلوم في
جامعة فيينا ( 1926 _ 1931 ) ، ثم الفلسفة الطبيعية في جامعة براغ الألمانية (
1931 _ 1935 ) .
هاجر
على أثر تحوُّل ألمانيا للنازية إلى الولايات المتحدة في نهاية عام 1935 ، حيث
عُيِّن أستاذًا للفلسفة في جامعتَي شيكاغو (حتى عام 1952) وكاليفورنيا ( 1954 _
1961 ) .
تقوم أصالة كارناب في اتجاهه
المنهجي الذي يصوغ به نسقًا تقنيًّا يُطبِّقه على بعض مسائل الفلسفة بهدف حَلِّها،
فقد سعى في كتابه الرئيسي " البناء المنطقي للعالَم " إلى تطبيق المنهج
المنطقي الذي طبَّقه راسل على الموضوعات الرياضية، كي يُنَحِّيَ جانبًا
الميتافيزيقا ، ويَنْفِيَ دور الفلسفة كعِلم كُلِّي، انطلاقًا من رفض كل عنصر تركيبي
قَبْلي في المعرفة، واعتقادًا بأن القضايا العلمية دائمًا بعدية، تستمد معناها من
النسق المنطقي الذي تندرج فيه، فيرد الفلسفة إلى تحليل منطقي للغة العلم يقوم على
المنطق الرياضي . ويذهب إلى أن المعرفة النظرية التي يقوم عليها هذا التحليل
تُمثِّل مزيجًا من التجريبية المثالية في تفسير المنطق والرياضيات ، فالمفهوم
الفلسفي للوضعية الجديدة في مذهبه متداخل مع دراسات نظرية المنطق والتحليل القائم
على المنطق ومنهج البحث العلمي .
ويمكن تمييز مرحلتين أساسيتين في
تطور فكر كارناب بصدد طبيعة المنهج المنطقي : الأولى هي مرحلة الاهتمام بالبناء
اللفظي، حيث الاهتمام بالبناء اللفظي المنطقي للغة العِلم ، والثانية هي مرحلة
الاهتمام بالمدلول اللفظي ، حيث يهتم منطق لغة العِلم بالمعنى والمدلول .
وبتأثير أبحاث كارل بوبر ، سعى
كارناب إلى تصحيح فهم تركيب المعرفة التجريبية، بوضع تصوُّر جديد لمعيار المعنى
التجريبي، وقواعد خاصة به. وتمكنَ بهذا أن يُفرِّق بين القضايا التجريبية التي
يمكن التحقق من صدقها وتخضع لمبدأ التحقق ، أي بالإمكان اختبارها أو التثبت منها ،
وهي قضايا علمية، وبين القضايا الميتافيزيقية وما شابهها التي لا يمكن التحقق من معناها
تجريبيًّا، ولا تقوم على معطيات حِسِّية ، ويصفها بأنها قضايا فارغة أو أشباه
قضايا لا معنى لها .
ويُبيِّن كارناب أن الخلافات في
الفلسفة ترجع إلى سوء فهم ، أو سوء تحليل التصورات الفلسفية، وعنه ينجم الخلط بين
الأحكام المصوغة بلغة الموضوع ، والأحكام المصوغة بعبارات اللغة الشارحة أو لغة ما
وراء اللغة، فيُؤدِّي ذلك إلى خلافات بين الآراء أو المذاهب الفلسفية حول بعض
المسائل. لذلك يقترح كارناب ترجمة وتأويل العبارات الفلسفية شبه الموضوعية ، مِن
شكلها المادي إلى الشكل الصوري بإعادة صياغتها في عبارات تركيبية .
يُعتبَر كارناب أحد
أبرز زعماء الفلسفة التجريبية المنطقية أو الوضعية المنطقية .