وُلد
الشاعر الفرنسي رينه سولي برودوم ( 1839_ 1907) في باريس . يُعتبَر أحد المجدِّدين
الكبار في الشِّعر في القرن التاسع عشر . وقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره
أوَّل مَن فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1901 .
بدأ
حياته بدراسة العلوم الطبيعية من أجل تحقيق حُلمه الشخصي بأن يُصبح مُهندسًا.
وبالفعل، حصل على دبلوم الهندسة . لقد اختار مجالاً دراسيًّا بعيدًا عن الأدب ،
رُبَّما لاعتقاده أن الهندسة مهنة مضمونة تدرُّ دَخلاً ثابتًا ، بعكس الأدب الذي
يُعتبَر مُجازَفة ، ومهنة غير ثابتة قد تَعجز عن توفير المتطلبات المادية لحياة
كريمة. لذلك نظر إلى الهندسة كمهنة مستقبلية ، ومركز اجتماعي، ومصدر دَخل. أمَّا
الأدب ( والشِّعر خصوصًا ) فهو هواية شخصية. ولاحقًا، سَيَتَّجه إلى الفلسفة،
ثُمَّ إلى الشِّعر. وهكذا، يكون قد جمع بين الحاجات المادية والحاجات الروحية .
وعلى
الرغم من اهتماماته العلمية ، والتزامات مهنته ، إلا أنه ظل وفيًّا للأدب وعاشقًا
له ، ومُتابِعًا للأحداث الجارية في الوسط الأدبي ، ومُطَّلِعًا على الأسماء
الجديدة ، ومُرَاقِبًا للصراعات الأدبية التي تُعتبر مؤشرًا على حياة الوسط الأدبي
، وحيويته ، ودَوره المركزي الفعَّال في المجتمع.
وفي
ذلك الوقت كان الصراع على أشده بين البَرناسية الوليدة وأنصار الرومانسية.
والبَرناسية هي مذهب أدبي فلسفي لا ديني يرفض المذهبَ الرومانسي في الأدب . أمَّا
الرومانسية فهي مذهب وجداني في الكتابة الأدبية، كان له حضور قوي في النصف الثاني
من القرن التاسع عشر في أوروبا.
عارضَ
برودوم الرومانسيةَ بشكل واضح ، وساندَ البرناسيين ، ورأى أنهم على حق ، وأن
مذهبهم هو التجسيد الحقيقي للمعنى والوعي ، والضمانة الأكيدة لمستقبل الأدب . وفي
الحقيقة، كان هذا الأمر مُتَوَقَّعًا بسبب الخلفية الفلسفية لهذا الشاعر ،
فالفلسفةُ هي الوعي الشمولي الحارس لإنجازات العقل البشري، والتطبيقُ الفكري على
أرض الواقع .
أمَّا
المذهب الرومانسي في الأدب ، فهو _ حَسَبَ نظرة برودوم_ تجسيد للعواطف الساذجة،
والمشاعر السطحية ، وتلاعب بالكلمات الرقيقة . ووَفْق هذه الرؤية ، تَمَّ تصنيف
الرومانسية كمذهب أدبي سطحي وهُلامي ، قائم على القُشور ، وعاجز عن الوصول إلى
رُوح المعنى ، وغير قادر على إصابة كبد الحقيقة . وهذه الرؤية يَعتنقها كثير من
الفلاسفة والمشتغلين بالفلسفة . وهذه التفاصيل المعرفية تبرز بشكل واضح في مشروع
برودوم الشِّعري ، وتتلخص في تقديمه لنفْسه ، حيث إِنَّه قد أعلنَ أن هدفه هو
خَلْق شِعر عِلمي للأزمنة المعاصرة. ومعَ أنه كان ينتهج الأسلوبَ العاطفي في كُتبه الأولى ، إلا
أنَّه انتقل بشكل تدريجي إلى الأسلوب الشَّكلاني عن طريق الاهتمام بالمواضيع
الفلسفية والعِلمية . وقد تميَّز شِعْرُه
بالصِّدق والصفاء والحنين والروح الفلسفية العميقة.
ومعَ
أنه صار عضوًا فاعلاً في جماعة البَرناسيين، والشاعر الرسمي لها، إلا أنه ابتعدَ
عن التأطير الحزبي الضَّيق ، وراحَ يَصنع عَالَمًا شِعريًّا خاصًّا به ، له خصائص
شخصية ومُتفرِّدة . وقد لَقِيَ تَشجيعًا كبيرًا من الكاتب الفرنسي الشهير فكتور
هوغو . وهذا أعطاه دَفعة معنوية إلى الأمام .
تَمَّ
انتخاب برودوم في عام 1881 عضوًا في الأكاديمية الفرنسية ، التي تُعتبَر واحدة من
أعرق المؤسسات الفكرية في العالَم ، وتضم نخبة العلماء والمفكرين والأدباء ، الذين
تركوا بصمات واضحة في تاريخ الفكر الإنساني .
كان
تكريمه في وطنه تمهيدًا لتكريمه عالميًّا ، حيث مُنح جائزة نوبل للآداب عام 1901 ، ليكون أول شخص في التاريخ يحصل على
هذه الجائزة . وقد رصد القيمة المالية للجائزة لإنشاء جائزة للشِّعر . لقد كرَّس حياته
للشِّعر ، ولَم يَخذله الشِّعر . فقد مَنحه المجدَ الأدبي ، والشُّهرة العالمية ،
وخُلود الذِّكر إلى الأبد .
وقالت أكاديمية نوبل التي مَنحته الجائزة : (( إِنَّ
أعماله تنمُّ عن تكوينه الشِّعري الخاص الذي يُعطي دليلاً على المثالية النبيلة
والكمال الفني،الذي يُعَدُّ مزيجًا نادرًا من صفات القلب والعقل )).
في نهاية حياته ، ساءت حالته الصحية ، وأُصيب بحالة من
الشلل ، وهذا أجبره على الابتعاد عن الناس ، واعتزال الحياة الأدبية والاجتماعية ،
والعيش في عزلة تامة بعيدًا عن الأنظار . وقد تُوُفِّيَ في عام 1907 ، ودُفن في
باريس .
مِن أبرز مؤلفاته : أبيات وقصائد ( 1865) . مصائر (
1872) . ثورة الزهور ( 1874) . الحنان دون جدوى ( 1875) . العدالة ( 1878) .