وُلِد الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه (1842_ 1898)
في باريس ، وتُوُفِّيَ في فالفان إحدى ضواحيها. فقد والدته وهو في الخامسة، فتولى
تربيته وشقيقته الصغيرة جَدَّاه لوالدته . وبعد زواج والده الموظف الإداري ، وُضع
في مدرسة داخلية حتى نهاية دراسته الثانوية . وقد تألَّمَ كثيرًا لفقد شقيقته عام
1857 ، ووالده عام 1863 .
يُعتبَر مالارميه من رواد الرمزية ، وكان شاعرًا رمزيًّا كبيرًا ، ألهمَ العديد من المدارس
الفنية الثورية في مطلع القرن العشرين ، مثل الدادائية ، السريالية ، والمستقبلية .
كان مالارميه حالِمًا في طفولته ، وأحب الشِّعر ،
وبدأ نَظْمَه قبل بلوغه العشرين ، وأدهشَ قُرَّاءه بسلامة لُغته وجَودة أسلوبه.
وأُغرِم وهو في العشرين بفتاة ألمانية كانت تكبره ببضع سنوات، ثُمَّ سافرا إلى
بريطانيا وتزوَّجا عام 1863، حيث حصل على شهادة تأهيل لتعليم اللغة الإنجليزية.
كان الزواج له واجبًا أراد أن يتفرَّغ بعده للشِّعر
الذي يتطلب _ في رأيه_ تضحية وتفانِيًا. واكتشفَ مع نضوج شخصيته أن مهنة التدريس
التي بدأ يُزاولها في مناطق مختلفة مِن فرنسا تبعث فيه الكآبة ، التي لَم تتلاشَ
في عُش الزوجية ، كما أن ولادة طفلته عام 1864 لَم تمنحه السعادة، إضافة إلى أن
رتابة الحياة وتفاهتها _ كما يقول _ زادت مِن حُزنه وتشاؤمه .
وجد مالارميه نفسه
_ عندما عُيِّن مُدَرِّسًا في باريس في خريف عام 1871 _ في وسط أدبي وفني واسع ،
فأشبعَ هوايته
الأدبية والموسيقية ، وفُتحت أمامه أبواب أوصلته إلى الشهرة . ولَم يمتنع عن
مواكبة ذَوق العصر في التوجه نحو أسلوب أدب الانحطاط .
فقد مالارميه في عام 1879 طِفله
أناتول ذا السبع سنوات ، فزادت عزلته، وبقيت
نخبة قليلة إلى جانبه . وبما أنه لَم يكن يبحث عن الكسب المادي أو الشُّهرة
لُقِّبَ بشهيد الشِّعر . وتميَّز شِعره بالأصالة. وطبيعته المغلَقة وتفكيره
العاطفي أوصلاه إلى تيار الهِرمسية الْمُتَّسم بالغموض والانغلاق . وشِعره مُحاط
بالغموض ، ولا يعرف القارئ أين تبدأ قصيدته وأين تنتهي . وقد اكتفى بنخبة من
القُرَّاء فقط ، ولجأ إلى الإضمار والإيجاز والتعقيد. وكان يختار كلمته لا
لمدلولها بل لِجَرْسها مُتَحَدِّثًا بالرموز والإيحاء ، لذلك نالَ إعجاب الرمزيين
. كما أنه لَم يترك شيئًا للمُصادَفة،فبدت كلماته متماسكة ومتناغمة بإحكام ،
وكأنها معزوفة مِن دون آلة موسيقية. وتَخَيَّلَ قواعد لعبة خاصة به لنظم أبياته
بفكر عِلمي رفيع ، وبالتالي يُؤخَذ عليه
قطيعته مع القارئ العادي .
كان مالارميه مُعْجَبًا بأعمال فكتور هوغو الشعرية، ولكنه في الوقت نفسه أراد أن يتجاوز مفهوم الشِّعر التقليدي الذي لَم يَشهد تطورًا كبيرًا مُنذ القرن السادس عشر. واتَّجهَ إلى مفهوم جديد مُبتكَر كانت ثمرته الدراما الشعرية " هيرودياد " ، وقصيدة ريفية أخرى تحت عنوان " بعد ظهيرة إله الريف الأسطوري "، تَمَّ نشرها عام 1876. وتميَّزت هاتان القصيدتان بالتناقض الشديد ، حيث كانت بطلة الأولى هيرودياد فائقة الجمال، وكانت تُمثِّل الرغبة الحِسِّية المفقودة في بحثها عن الطهارة الخالصة ، بينما كان يُمثِّل إله الريف الرغبة الحِسية الشهوانية غير الْمُشْبَعة . وله أيضًا ، قصيدة نثرية في عشرين صفحة ، نشرها عام 1897 ، تحت عنوان " رمية النرد لا تُلغي أبدًا مُصادفة الحظ " .