وُلِد الروائي الإنجليزي
سُومِرسِت مُوم ( 1874_ 1965) في باريس لأبوين إنجليزيين . كان والده يعمل
مستشارًا قضائيًّا للسفارة البريطانية في باريس . وبعد وفاة والديه ، أُرسِل إلى
إنجلترا ، ودخل في رعاية عَمِّه الذي كان قَسًّا وراعي كنيسة .
كانت إنجليزيته سيئة ، لأن لغته
الأولى كانت الفرنسية ، إضافة إلى قامته القصيرة التي ورثها عن والده . وهاتان
المشكلتان كانتا مصدر تعاسته ، وسبب تأتأة لازمته طوال حياته .
عاشَ موم حياة بائسة تعيسة ،
سواءٌ في كنف عمِّه أَم في المدرسة التي قرَّر مُغادرتها ، والسفر إلى ألمانيا
لدراسة الأدب والفلسفة واللغة الألمانية في جامعة هايدلبرغ ، لكنه سُرعان ما عادَ
إلى إنجلترا ، وتنقَّل في عدد مِن الأعمال قبل أن يُصبح طالبًا للطب في لندن ، حيث
وجد مادة روايته الأولى " ليزا مِن لامبِث " ( 1897)، وقَدْرًا كبيرًا
مِن مادة رواية السيرة الذاتية " العبودية البشرية " مع أن هذه الرواية
لَم تُنشَر إلا في عام 1915 ، وصارت واحدة من أهم الروايات الإنجليزية الواقعية في
أوائل القرن العشرين . وقد شجَّعه نجاح روايته الأولى على ترك مهنة الطب، والانصراف
إلى الأدب . وقد حقَّق موم شُهرةً كبيرة ، وذاعَ صِيته بأعماله الأدبية المختلفة ،
حتى إنه عُرِضت له في عام 1908 أربع مسرحيات في الوقت ذاته على مسارح لندن .
وأتاحت له حياة الكاتب أن يُسافر ويعيش في أمكنة متعددة ، مِثل : إسبانيا وإيطاليا
وفرنسا . وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى، التحقَ بوحدة إسعاف تابعة للصليب
الأحمر البريطاني، كانت تعمل في فرنسا. كان موم مُصابًا بداء السُّل الرئوي الحاد ،
والذي منعه من استكمال أكبر مخاطرة في حياته، حيث كان جاسوسًا للمخابرات
البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى ، بالتعاون مع المخابرات الأمريكية. وقد
أوضح أنه كان يتلقى الأوامر مِن كولونيل لا يَتذكر اسمه. وقد اختاره الكولونيل ،
بسبب قوة اتصالاته وعلاقاته ، ولأن عمله كمؤلف روايات يُبرِّر له تحركاته الكثيرة
في القارة الأوروبية ، كما أنه يُتقِن عدة لُغات أوروبية . وكانت مهمته عبارة عن العمل
كجاسوس داخل روسيا أثناء الثورة الروسية ( البُلشفية ) على القيصر ، واستلام
البلاشفة للحُكم ، وعلى رأسهم لينين . وتتلخص مهمته في جمع المعلومات لمصلحة
المخابرات البريطانية بخصوص السلام الأحادي بين روسيا وألمانيا ، والذي كان الشعب
يُنادي بِه ، ووافقهم عليه الحزب الشيوعي، وكانت هذه " ثورة السلام
والخبز". وَمِن خلال موم، تَبَيَّن للبريطانيين والأمريكيين أن لينين قد وصل
إلى روسيا مِن خلال عملية "القطار الحديدي " التي نفَّذتها ألمانيا ،
وكان على لينين توقيع اتفاقية السلام . وكان لموم أهمية كبرى في إيصال هذه
المعلومات ، فبادرت المخابرات البريطانية لسحب موم من المنطقة ، وشَن غارات على
روسيا ، لإجبارها على استكمال الحرب . وبعد ذلك تَمَّ عزل موم من اللعبة
الاستخباراتية . وعلى إثر ذلك كتب روايته المشهورة " كنتُ جاسوسًا " ،
والتي حقَّقت مبيعات هائلة، وكذلك حقَّقت صدمة كبرى للسوفييت. وبعد ذلك اتَّجه موم
للكتابات الإباحية والمبتذلة، مِمَّا أدى إلى انحطاط قيمته الأدبية .
مِن أخطر المراحل في حياة مُوم هي
وصوله إلى مرحلة الإلحاد،فقد كان يبحث في روايته" حافة السِّكين " (
1943) عن اللَّه ، وهذا يَرجع إلى نشأته الدينية المتشددة والمتناقضة في نفس الوقت
. فقد كان عَمُّه راعي الكنيسة بإحدى قُرى إنجلترا ، وكانت أفعاله مليئة بالكذب ،
وكان يَكره ابنَ أخيه ، ففقدَ موم الثقة بِه وبكنيسته . وذات يوم ، مَرَّ موم أمام
الكنيسة ، وقلبه ممتلئ إيمانًا ، ودعا اللَّهَ أن يُزيل عُقدة التأتأة عن لسانه،
وكانت هذه عُقدة نفسية عِنده تُثير سُخرية الأطفال، وسُخرية رجال الكنيسة الذين يُعلِّمونه،
وذهب فأغمض جفنيه وهو مطمئن إلى أنه سيصحو في الصباح وقد اسْتُجيب دعاؤه ، وجعل
يتكلم فإذا بلسانه كما كان . وقد هُيِّئ له حينها أن الإيمان باللَّه بلا جَدوى
ولا مَعنى. كما أنه سمع قساوسة البروتستانت في إنجلترا يقولون إن الكاثوليك يقولون
إن البروتستانت سيدخلون النار . ووَفْق اعتقاد موم ، فإن أولئك وهؤلاء مؤمنون شديدو
الإيمان ! . وهكذا ، فقد مُوم إيمانه ، ووصل إلى الإلحاد .
لاقت قصص مُوم ورواياته رواجًا
وإقبالاً كبيرين ، حتى اعتبره البعض أكثر الأدباء الإنجليز شعبيةً بعد تشارلز
ديكنز . لكن كثيرًا مِن النُّقاد لَم يهتموا بِه، واعتبروا قصصه سطحية وضعيفة .
كان مُوم قادرًا على نقل أعقد
المشاعر والعلاقات بواقعية مُذهلة ، فلغته سهلة ، ومليئة بالمشاعر والانفعالات .
والجديرُ بالذِّكر أنه كان مِن أشهر كُتَّاب بداية القرن العشرين ، ومِن أكثر
الكُتَّاب رِبحًا في الثلاثينيات من القرن العشرين .
وقد اشْتُهِر بكثرة كتاباته التي
تنوَّعت بين الروايات والقصص والمسرحيات والكتب السياسية، كما أنه امتازَ بأنه
كاتب واقعي، يستمد قصصه من الحياة، ومِن ملاحظته للناس في أسفاره ورحلاته الكثيرة.
وتتميَّز رواياته وقصصه القصيرة ببراعتها السردية ، وبساطة أسلوبها ، وسُخريتها
اللاذعة.