وُلد
الشاعر الفرنسي رينيه شار ( 1907 _ 1988 ) في ليسل سور لا سورغ ، جنوب فرنسا ،
وتُوُفِّيَ في باريس . كان مُحِبُّوه وعُشَّاقه يصفونه بالشاعر الصاعق .
كان أصغر إخوته الأربعة . ومُنذ صِباه عشق
العواصف والرعود . وكان يحب النار ، ويقول إن النار هي " دليله الأعلى "
. وفي الحادية عشرة من عُمره ، أحس بطاقة الشِّعر تتفجَّر في داخله. وفي نفس هذه
السن فقد والده ، لكنه لَم يشعر بحزن كبير جرَّاء مَوته ، واعتبر موته أمرًا
عاديًّا ، لأن الشِّعر كان مسيطرًا عليه بشكل كامل .
لَم يكن مهتمًّا بدراسته ، وترك المدرسة
مبكرًا ، وأخبر والدته أن لا شيء يَعنيه مُنذ الآن غَير الشِّعر . ثُمَّ أخذ
يُطالب عائلته التي كانت تملك العديد من مقالع الجبس بنصيبه من الميراث . وقد تسبَّب
هذا الأمر باندلاع معركة عنيفة بينه وبين شقيقه الأكبر . وأمام حُزن أُمِّه
الأرملة ودموعها، انسحبَ شار مِمَّا سَمَّاه فيما بعد بـ " جو التراجيديا
الإغريقية " .
اشْتُهِر شار
في فرنسا والعالَم الفرنكفوني بقصائده التي تُصنَّف كأعمال إبداعية بمفاهيم كبيرة
أهمها التوحد والتركيز والنُّسك والتقشف والإيثار والمقاومة الحقيقية التي تنحو
نحو الفعل ، مِمَّا منحها كثافة فلسفية عميقة . وتُرجِمت أعماله إلى عشرات اللغات
.
انضمَّ شار إلى الحركة السريالية التي ظهرت
عَقِب الحرب العالمية الأولى ، وكانت شكلاً من أشكال التمرد والاحتجاج على فظاعات
هذه الحرب وآفاتها ومآسيها التي جرَّتها على الإنسانية .
بعد أن تعرَّفَ عليه بول إيلوار في منطقته
التي كانت معزولة ، ولفتته موهبته الفَذَّة ، أقنعه بالسفر إلى باريس ، حيث أمكنه
التعرف إلى فرسان هذه الحركة ، وعلى رأسهم مُؤسِّسها أندريه بريتون . غَير أن
انضمام شار إلى هذه الجماعة كان عابرًا ، إذ رغم تحمُّسه في البداية لمشروعهم،
ومساهمته في المقاومة ، ابتعد بمحض اختياره عن رفاق دربه السرياليين ، كي ينغمس في
شِعريته .
ومُنذ عام 1945 ، نذر شار حياته للشِّعر ،
وتفرَّغَ له ، وأخلصَ له الشِّعر بأن جعله من أجمل الأصوات الشعرية عالميًّا . ومن
أجل مواجهة صعوبة الحياة وقسوتها في المدينة الكبيرة ، وتوفير قُوت يَومه ، كان _
بين وقت وآخر _ يبيع لوحات أصدقائه الفنانين ورسوماتهم .
تميَّزَ شار بأسلوبه المتفرِّد الذي لَم
يُنافسه فيه أيٌّ مِن مُعاصريه . وقد كان صديقًا لأهم وأشهر المعاصرين له من
الفنانين مِثل : بيكاسو ، وبراك ، وجياكوميتي ، وميرو .
في عام 1927 ، قدَّم شار تعريفه الخاص
للشِّعر : (( كُل شِعر لا بُد أن يُولَد حُرًّا ، ومجنونًا قليلاً ، مجنونًا
ومتمردًا في الأيدي التي تأتي به إلى العالَم )) .
في عام 1929 ، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في
أوروبا ، وامتلأت شوارع المدن الكبيرة بالعاطلين عن العمل ، والفقراء ، والمحتاجين
، واليائسين ، والغاضبين . وبدأت تلوح علامات حرب جديدة مُدمِّرة . وفي 15 ديسمبر
/ كانون الأول من نفس العام ، أصدرت مجلة " الثورة السريالية " ، التي
كان يَرأس تحريرها أندريه بريتون شعارًا جديدًا يتضمَّن الدعوة إلى أن تكون "
السريالية في خدمة الثورة " . وقد تحمَّس شار لهذا البيان ، والتصقَ بالحركة
السريالية ، واعتنق أفكارها وأطروحاتها الأدبية والسياسية والاجتماعية والفنية .
عند اندلاع الحرب العالمية الثانية،انضمَّ
شار إلى حركة المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، ليصبح أحد كبار قادتها في جنوب البلاد . وقد
كتب إلى أحد أصدقائه قائلاً : (( على هذه البلاد أن تخرج من جمودها، ومِن أفكارها
المسبقة المتَّسمة بالبلاهة والغباء ، ومِن شيخوختها المعفَّى عليها. علينا الذهاب
قُدُمًا إلى الأمام ، وعلينا أن نصبح قُساة كي ننتصر )) .
خلال الحرب ، وعلى مدى أربع سنوات ، لَم
يكتب شار قصيدةً واحدة ، إلا أنه كان يُسجِّل انطباعاته في كل فرصة تُتاح له. وفيما بعد ، جمع تلك
الانطباعات ضمن كتاب " أوراق هيبنوس" ( 1946 ) . وعندما قرأه إيلوار ،
كتب إلى صاحبه قائلاً : (( هذا الكتاب الصغير عمل عظيم وهائل . لقد غرستَ في الأرض
سيفًا سيظل هناك أبد الدهر )) .
بعد نهاية الحرب ، عاد شار إلى باريس . وقد
أجبرته المصاعب المادية التي كان يُواجهها في ذلك الوقت على السكن في فندق صغير في
الحي اللاتيني .
وفي مطلع الخمسينيات ، صار شار واحدًا من
أكبر شعراء فرنسا . وعندما احتدَّت المعارك بين سارتر وكامو ، ساندَ الأخيرَ .
وعندما تُوُفِّيَ كامو في حادث سيارة رثاه بصورة مُؤثرة .