وُلد العالِم اللغوي الروسي رومان
ياكوبسون ( 1896 _ 1982 ) في موسكو ، ودرس في معهد اللغات الشرقية فيها،وتخرَّجَ
أيضًا في جامعتها عام 1918 . شهد عام 1920 تقلبات سياسية عارمة في روسيا، فانتقل
ياكوبسون إلى براغ كعضو في
البعثة الدبلوماسية السوفييتية لإتمام دارسته العليا . وقد انغمس في الحياة
الأكاديمية والثقافية في تشيكوسلوفاكيا حينها،وأقام
علاقات وثيقة مع عدد من الشعراء والشخصيات الأدبية في التشيك. غادرَ براغ مع الاحتلال النازي إلى البلدان الإسكندنافية ،
حيث درَّس في جامعات كوبنهاغن وأُبسالا وأوسلو أستاذًا زائرًا، ثُمَّ غادرَ أوروبا
نهائيًّا في عام 1941 إلى أمريكا ، حيث نَشط في جامعات كولومبيا وهارفارد ( 1943_
1967 ). وكانت وفاته في مدينة بوسطن . أصبحَ ياكوبسون
مستشارًا في الجمعية الدولية للغة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية .
وانتقل عام 1949 إلى جامعة
هارفارد ، حيث بقي
هنالك حتى تقاعده.وقد عمل في العَقْد
الأخير من عمره في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ،
حيث حصل على الدكتوراة الفخرية فيها.وقد تحوَّل ياكوبسون في الستينيات إلى التركيز
على تقديم نظرة أشمل للغة، وبدأ جهوده للكتابة حول علوم التواصل بشكل عام . نشأ
ياكوبسون في مسقط رأسه في روسيا لعائلة
ميسورة من أصل يهودي ، وقد
نمت لديه اهتمامات باللغة مُنذ نعومة أظافره. وقد كان في مرحلة الدراسة أحد
البارزين في الدائرة
اللغوية في موسكو ، وشاركَ في أنشطة جماعة
الطلائع في الفن والشِّعر . كانت الحالة اللغوية في ذلك الوقت منصبة على منهج
النحويين الجدد الذين كانوا يُؤكِّدون على أن الدراسة العلمية الوحيدة الممكنة
للغة تتمثل في دراسة تاريخها وتطوُّر مفرداتها خلال الزمن ( وهو المنهج التاريخي
الذي وضعه دي سوسير). إلا أن ياكوبسون كان قد اطَّلَعَ في تلك الفترة على أعمال
اللغوي دي سوسير، ونجح في تطوير منهج ركَّز فيه على أن بُنية اللغة هي التي تؤدي
وظيفتها الأساسية ، وذلك من أجل تناقل المعلومات بين مستخدمي اللغة . كان ياكوبسون عَالِمًا موسوعيًّا في توجُّهه، وتدل أسماء
مؤلفاته على تنوع اهتماماته ومجالات بحثه، فقد كتب في موضوعات شتى وبلغات مختلفة .
كتب بالفرنسية " ملاحظات حول التطور الفونولوجي للغة الروسية مقارنة مع تطور
اللغات السلافية الأخرى " ( 1929 ). وكتب بالروسية" خصائص علاقة القرابة
اللغوية الأوراسية " ( 1931 )،
وبالألمانية " لغة الأطفال " ( 1941 )، و" عُيوب النُّطق والقوانين
الصوتية العامة " ( 1941 ).
بعد
استقراره في الولايات المتحدة ، كتب بالإنجليزية " خطوات تمهيدية نحو تحليل
الكلام " ( 1952) بالتعاون مع آخرين . كما وَضع بالاشتراك " أسس اللغة
" ( 1956 ) . نَشر أيضًا "
شِعر النحو ونحو الشعر " ( 1968 ) . وكتب بالاشتراك " شكل صوت اللغة
" ( 1979 ) .
ابتعدَ
ياكوبسون مع حلقة براغ عن مفهومات دي سوسير ، من حيث دراسة وظيفة الكلام مُؤسِّسًا
بذلك للفونولوجيا ( عِلم الصَّوتيات ) . وإليه تُنسَب أول صياغة لتعريف الصوتيم ،
أو الوَحدة الصوتية الأصغر . كما أسَّسَ أيضًا في الولايات المتحدة للمرحلة
التالية مِن تطوُّر هذا العِلم ووضع مبادئه ، كما بحث في نظرية تواصل لسانية
مُعتمدًا على أسس نظرية التواصل . وبحثَ في الشِّعر والدراسات السلافية والتقاليد
والعادات ، مُؤكِّدًا بذلك علاقة اللغة الوثيقة بالثقافة والأنثروبولوجيا الثقافية
.
يُفرِّق ياكوبسون بين الوظائف
التواصلية التي يرتبط كل منها بأحد عناصر عملية التواصل ، ويكون أحد هذه العناصر
حاضرًا دائمًا في نص من النصوص ، وعادةً ما يكون ذلك مرتبطًا بطبيعة النص.ففي النص
الشعري مثلاً تكون الوظيفية شِعرية، فيكون عنصر الرسالة هو العنصر الأساسي. ويُشير
ياكوبسون بشكل عام إلى أن الشِّعر يمزج بين الشكل والمحتوى .
وقد كان لأعمال ياكوبسون أثر عميق
على الدراسات النفسية لأعمال جاك لاكان ، وفلسفة جورجيو أجامبين .
كتب ياكوبسون مقالة مهمة ومفصلية
في نظرية الترجمة أسماها "حول الجوانب اللغوية للترجمة" حيث فرَّق فيها
بين ثلاثة أشكال للترجمة ، وهي :
1_ الترجمة ضمن اللغة الواحدة :
وهي عبارة عن إعادة صياغة العبارات ضمن اللغة نفسها .
2_ الترجمة بين لغتين مختلفتين :
وهي نقل الرسالة من لغة إلى لغة أخرى .
3_ الترجمة إشارة لغوية إلى أخرى
غير لغوية : وهي ترجمة الرسالة اللغوية إلى نظام غير لغوي من الإشارات .
كما أشار في مقالته هذه إلى فكرة تعرَّضَ لها الكثير من الباحثين بالبحث والمناقشة ، حيث قال إنه يمكن التعبير عن جميع الخبرات التي نعيشها ونشعر بها وجميع أشكالها في أي لغة من اللغات . يُعتبَر ياكوبسون من رُوَّاد المدرسة الشَّكلية الروسية . وقد كان أحد أهم علماء اللغة في القرن العشرين ، وذلك لجهوده الرائدة في تطوير التحليل التركيبي للغة والشعر والفن .