وُلد الفيلسوف
البولندي زيجمونت باومان ( 1925_ 2017 ) في بوزنان ، بولندا ، لأبوين بولنديين ،
يهوديين بالاسم . اتَّجهت عائلته شرقًا إلى الاتحاد السوفييتي بعد الاحتلال النازي
لبولندا في عام 1939.خدم باومان في الجيش البولندي الأول الذي كان بقيادة سوفييتية
كمُدرِّس في العلوم السياسية . شارك في معارك كولبرج ( كولوبرزيج حاليًّا) وبرلين
. وفي مايو 1945 ، مُنح الصليب العسكري للشجاعة ( ميدالية على شكل صليب تُمنح
تكريمًا ) .
اعتنق باومان الشيوعية أثناء وبعد الحرب
العالمية الثانية ، ولَم يكن الأمر سرًّا . وقد اعترفَ بأنه كان على خطأ عندما
التحق بالمخابرات العسكرية في عمر التاسعة عشرة، رغم أن وظيفته مكتبية غير
فعَّالة، ولَم يُخبِر عن أي أحد . وخلال عمله في فيلق الأمن الداخلي، درس باومان
بدايةً علم الاجتماع في أكاديمية وارسو للعلوم الاجتماعية. ثم ترك علم الاجتماع،
ودرس الفلسفة في جامعة وارسو . والجدير بالذِّكر أن علم الاجتماع قد أُلْغِيَ بشكل
مُؤقت من المناهج الدراسية البولندية باعتباره حقلاً معرفيًّا برجوازيًّا .
تَمَّت ترقية باومان إلى رُتبة رائد ، عندما
تَم تسريحه من العمل بشكل مُخْزٍ مُفاجئ في عام 1953 ، بعدما توجَّه والده إلى
السفارة الإسرائيلية في وارسو طلبًا للهجرة إلى إسرائيل .
كان باومان لا يُشاطر والده توجُّهه ومَيله
الصهيوني، بل كان معاديًّا له وبشدة ، وهذا الأمر جعله يبتعد عن الوالد مُؤقَّتًا
.
خلال الفترة التالية التي لَم يعمل بها، أكمل
باومان دراسة الماجستير. وفي عام 1954، أصبح محاضرًا في جامعة وارسو ، حيث استقر
بها إلى عام 1968 . وخلال وجوده في قسم الاقتصاد في جامعة لندن ، وعندما كان روبرت
ماكينزي المشرف عليه ، جهَّز باومان دراسته عن الحركة الاشتراكية البريطانية، التي
أصبحت فيما بعد كتابه الأول في مجال تخصصه. نُشر الكتاب باللغة البولندية عام 1959
، وتَمَّ تنقيحه وترجمته إلى الإنجليزية في طبعة ظَهرت عام 1972 .
استمرَّ باومان في نشر كتب أخرى ، منها كتاب
" علم الاجتماع للحياة اليومية " باللغة البولندية عام 1964 ، والذي وصل
إلى شريحة شعبية كبيرة في بولندا .
عُرف باومان بأنه ناقد للحكومة الشيوعية
البولندية . ولهذا السبب لَم يحصل على لقب الأستاذ حتى بعد أن اكتمل تأهيله لهذا .
لكن بعد أن أوجد مُعلِّمه السابق جوليان هوفيلد منصب نائب مدير اليونيسكو لقسم
دراسات علوم الاجتماع في باريس عام 1962 ورث باومان كرسي هوفيلد. وكان على باومان
أن يتخلى عن جنسيته البولندية حتى يستطيع الخروج من بلده، فذهب أولاً إلى الكيان
الصهيوني ليُدرِّس في جامعة تل أبيب، قبل أن يجد له كرسيًّا في قسم علم الاجتماع
في جامعة ليدز ، حيث أصبح فيما بعد رئيسًا للقِسم. ومنذ ذلك الوقت، كانت كتب
باومان تُنشَر باللغة الإنجليزية على وجه الحصر، وهي لغته الثالثة، حيث ذاع صيته
بعد ذلك بشكل سريع . في نهاية التسعينيات، كان باومان عاملاً مؤثرًا في حركة
مُضادة للعَولمة . وفي مقابلة له عام 2011 مع مجلة بولندية " بوليتكا"،
انتقد باومان إسرائيل بقوله إن إسرائيل لَم تكن مهتمة إطلاقًا بالسلام، بل كانت
تستخدم الهولوكوست كعُذر لشَرعنة أفعالها المتوحشة .
نشر باومان أكثر مِن خمسين كتابًا ، ولديه
أكثر من مئة مقال . وأغلب كتاباته كانت تحوي على مواضيع متشابهة مثل: العَولمة.
الحداثة وما بعد الحداثة. المادية (الاستهلاكية).النظام الأخلاقي. في نهاية
الثمانينيات وبداية التسعينيات نشر باومان عِدَّة كتب تحدثت عن العلاقة بين
الحداثة والبيروقراطية والعقلانية والإقصاء الاجتماعي .
اتَّبعَ باومان فرويد عندما نظر للحداثة
الأوروبية كمُقايَضة ، وقال إن المجتمعات الأوروبية قبلت بالتفريط بشيء من الحرية
مقابل الحصول على فوائد زيادة الحماية الفردية .
تَحَدَّثَ باومان عن الحداثة، والتي وصفها
بالشكل "الصلب"، حيث حاولت أن تزيل خوف وتوجُّس الشخصية البشرية عن طريق
التحكم بالثروات، وتطبيق السلالم الوظيفية، ووضع القوانين والتنظيمات، وذلك لتجنب
الفوضوية .
في كتابه" الحداثة والهولوكوست"
(1989)، تحدَّثَ عن خطر الشعور بمثل هذه المخاوف . كما تحدَّثَ عن الاستبداد
والتنوير . وكان يرى أن الهولوكوست لا يجب أن تُعتبَر جزءًا من تاريخ اليهود ، ولا
نوعًا من الرجوع إلى بربرية ما قبل الحداثة. وبشكل ما، يرى باومان أن الهولوكوست
لها علاقة عميقة بالحداثة . وفي تحليلات باومان يذكر أن اليهود أصبحوا غرباء بشكل
أكبر في أوروبا. والسبب في ذلك كما صوَّره ، هو مُحاولات المجتمعات الأوروبية
تجاوز الطبيعة السَّيئة غَير المريحة لهم ، والتي هي مزروعة في أصل اليهود كعنصر
أساسي في طبيعتهم .