وُلد الفيلسوف والناقد
الفرنسي رولان بارت ( 1915 _ 1980 ) في شيربورج بفرنسا ، وتُوُفِّيَ في باريس .
كان والده ضابطًا في البحرية ، تُوُفِّيَ في إحدى المعارك بعد عام من ولادته .
انتقل بارت بعد ذلك مع والدته إلى باريس
ليبدأ تعليمه ، وفي أثناء ذلك عانى مرضًا في الرئة اضطره إلى مغادرة باريس
والإقامة في مصحات، ورغم ذلك حصل على الثانوية ثم الإجازة في الآداب .
انتُدِب إلى بوخارست عام
1948 للعمل في مكتبة قبل أن
يصبح مُدَرِّسًا . ثم انتقل إلى جامعة الإسكندرية ( 1949 ) ، ثم انصرفَ إلى دراسة
دي سوسير ورومان ياكوبسون .
عاد في عام 1950 إلى فرنسا ، ليعمل في
الإدارة العامة للعلاقات الثقافية في وزارة الخارجية. حصل على منحة في المركز
الوطني للبحث العلمي ، وعُيِّنَ عام 1960 مديرًا للأعمال في المدرسة التطبيقية
للدراسات العليا .
ذاعَ صِيته فسافر إلى اليابان لإلقاء
محاضرات ، ثم إلى المغرب للتدريس في جامعة
الرباط . وعادَ بعد ذلك إلى المدرسة التطبيقية للدراسات العليا ، ثم سافر إلى
الصين . وصار عُضوًا في الكوليج دو فرانس ( 1976 ) ، وحصل
على لقب أستاذ . تُوُفِّيَ إثر حادث سيارة .
جاءت كتابات بارت في أغلب الأحيان مقالات،
منها ما جُمع في كتب في أثناء حياته ، ومنها ما جُمع بعد وفاته. ومِن أعماله :
" أساطير " ( 1957)، و" لذة النص " ( 1973).
كان بارت مُتَبَحِّرًا في عِلم السُّلالات (
أنثروبولوجيا ) ، وناقدًا أدبيًّا ولغويًّا وعالم اجتماع. بدأ بقراءة الروايات
والمسرحيات الاتباعية (الكلاسيكية). وقادته قراءة نيتشه إلى الاهتمام
بالعصور القديمة في المسرح الإغريقي، فأسَّسَ بمساعدة صديق له مجموعة "المسرح
القديم " لتشجيع الأنشطة المسرحية بعد أن أخفق في كتابة الرواية والمسرحية .
قرأ لجان بول سارتر وألبير كامو ، فوجدَ نفسه في
مسيرة الالتزام الأدبي والاجتماعي ، إضافة إلى تأثره بالاتجاه الماركسي من صديق له
حين كان في المصحة. وقد أراد بارت أن يفهم العلاقة التي تربط التاريخ والمجتمعات
بالأدب . تابع بارت دراسة اللغة وعلاقتها بالمجتمع ، فقرأ دي سوسير، وتعمَّقَ في
السيميولوجيا ( عِلم العلامات ) ، وكتب مجموعة من المقالات باسم "
أساطير" تتعلق بموضوعات وأحداث للبرجوازية الصغيرة من مفهوم دلالي .
حَلَّلَ بارت روايات ومسرحيات مختلفة لإقناع
القُرَّاء باتجاهات جديدة في الأدب. ويُلاحظ أنه كان يَجمع بين اتجاهين : الأول هو
إعجابه الواضح بالأدب الاتِّباعي ، والثاني هو تَبَنِّيه للاتجاهات الأدبية
الجديدة . جَمع في كتابه " حَول راسين " ( 1964 ) بين الحداثة والتقليد
، إذ إنه حَلَّلَ مسرح راسين بطرق حديثة نفسية وبُنيوية . ورغم أن هذه التجربة
بقيت محدودة جِدًّا، إلا أن خلافات عميقة نشأت بينه (كَمُمثِّل لأنصار الحداثة )
وبين أنصار التقليديين ويُمثلِّهم ريمون بيكار ، وهو أستاذ في جامعة السوربون ،
ومختص في مسرح راسين . بعد أن حَلَّلَ بارت الوضع التاريخي والاجتماعي للكتابة أو
الأدب في كتابه " الكتابة في درجة الصفر"(1953) انتقل إلى البحث عن
دلالات اللغة، وذلك في كتابه"مقالات نقدية"( 1964) الذي يدور حول نقاط
ثلاث أساسية: البحث عن جوهر اللغة، عِلم الدلالة والأدب، البنيوية والأدب. أمَّا
كتابه " عناصر السيميولوجيا " (1965 ) فهو علامة مهمة في كتاباته، فقد
ثَبَّتَ دعائم هذا العِلم ، ونقله إلى القارئ بأسلوب تعليمي .
أراد بارت تجاوز الطرائق التقليدية والحديثة
المتَّبعة مِن قِبَل اللغويين، وكان هدفه التَّمَيُّز ورفض التقليد ، وأراد أن
يلمع في مجال الأدب واللغويات، وحَكم عليه الاختصاصيون بأنه يميل كثيرًا إلى الأدب
عند تعرُّضه لموضوع لغوي . وكانت هذه الانتقادات أحد الأسباب الرئيسية التي دفعته
إلى قَبول عرض التدريس في جامعة الرباط في المغرب ، وأدى ذلك أيضًا إلى ابتعاده عن
التحليل البُنيوي إلى التحليل الأدبي للقصة . وابتعدَ شيئًا فشيئًا عن التأثير
الضاغط لـِ دي سوسير مِمَّا جعله يكتسب شخصية مستقلة ميَّزته في المرحلة التالية .
باءت محاولات بارت لكتابة رواية بالإخفاق ،
وبدلاً من ذلك كَتب " مقتطفات من أحاديث العشق " ( 1977 ) ، وهي تتألف
من أجزاء نصية صوَّرت أحاديث المحبين وأفكارهم وحَلَّلتها.
وفي عام 1979 دوَّن بعض الملاحظات بهدف
كتابة رواية ، ولَم يتحقق هذا المشروع ، بل نتجَ عنه الصحيفة اليومية "
أمسيات باريس " ، ركَّز فيها على وظيفة الشخصية الروائية أكثر من تركيزه على
مُواصفاتها . لقد صارت اللغة والكتابة عند بارت وسيلة اتصال ، وتعبيرًا عن الوجود
في آن واحد . ويتَّضح ذلك مِن عِدَّة مقالات تطرح مسألة اللغة والوجود الاجتماعي .