وُلد
الكاتب المسرحي اليوناني سوفوكليس ( 496 ق.م _ 405 ق. م ) في بلدة كولونوس،
وتُوُفِّيَ في أثينا. يُعتبَر أحد آباء المسرح الإغريقي، وواحدًا من أعظم ثلاثة
كُتَّاب تراجيديا إغريقية، معَ أسخيلوس ويوربيديس .
كان والده أحد كبار تُجَّار العبيد ، ويمتلك ورشة لصناعة الأسلحة والأدوات
المعدنية، مِمَّا وفَّر لسوفوكليس تعليمًا شاملاً ، تضمَّن أيضًا الموسيقى
والرياضة . وإثر انتصار اليونانيين على الفُرس في معركة سلاميس ( 480 ق. م )، قاد
سوفوكليس احتفالات الفتيان بالنصر .
شاركَ في تمثيل عدة أدوار مسرحية في المسابقات السنوية،
إلى أن اشترك في مسابقة خريف عام 468 ق.م ، بمسرحية من تأليفه، وفاز بها أول مرة
بالجائزة الأولى على أستاذه أسخيلوس، وذلك برباعية ( ثلاثة أجزاء مترابطة ذات
موضوع مأساوي ، وجزء رابع ساخر ) .
انتُخِب عام 443ق.م مديرًا لبيت مال حِلف أثينا البحري.وبعد
نجاح عرض مسرحيته" أنتيغونِه"( 442 ق.م ) عيَّنه صديقه الحاكم بركليس مع
المؤرخ هيرودوت في " مجلس القادة العشرة " المسؤول عن شؤون الدولة
العسكرية والسياسية .
بتكليف من مجلس المدينة
أدخل سوفوكليس عام 420 ق.م عبادة أسكْلِبيوس ( إله الطب ) إلى أثينا، وكتب بهذه المناسبة نشيدًا خاصًّا
ابتهالاً وتبجيلاً للإله الجديد. وتقلَّدَ مُنذ عام 413 ق.م عِدَّة مناصب عُليا
بصفته خبيرًا . وعلى نقيض أسخيلوس ويوربيديس لَم يُغادر سوفوكليس أثينا، حيث
تُوُفِّيَ قبل سنتين من هزيمتها المروِّعة أمام إسبرطة في حرب البيلوبونيز . وقد
رفعه شعب أثينا إلى مرتبة البطل الْمُبَجَّل .
تُفيد وثائق أثينا بأن
سوفوكليس ألَّف 125 مسرحية، لَم يبقَ مِن نصوصها سوى سبع مآسٍ (تراجيديا) وأربعمئة
سطر من المسرحية الساخرة " كلاب الصيد " . أمَّا المسرحيات المتبقية فهي
حَسَب التسلسل الزمني لتاريخ عرضها في المسرح : 1_ " أياس " التي يعرض
فيها نتيجة الصراع بين الإنسان الذي يعميه غضبه وتكبره وبين إرادة الآلهة. فعندما
يدرك أياس أن لا مخرج له من ذنبه تجاه الآلهة أو لاستعادة كرامته المهدورة، ينتحر
. 2_ " أنتيغونه ". يسقط الملك كريون في عزلة مُطْلقة بعد أن أدرك
متأخرًا أنه السبب في فقدانه جميع مَن يُحِب، نتيجة تكبُّره على قوانين الآلهة
ومعارضتها بقانونه البشري . 3_ " نساء تراخيس " . تنتحر ديانيرا زوجة
هِرَقْل ، لأن العباءة المغمَّسة بدم الوحش الخرافي نيسوس ، التي أرسلتها إلى
زوجها ظنًّا منها أنها ستُعيده إليها، تقتله، فتتحقق بذلك نبوءة قديمة لا مهرب
منها . 4_ " أوديب مَلِكًا " . يُقدِّم سوفوكليس نموذجًا فريدًا
للمسرحية التحليلية، التي تُفكِّك بأسلوب تشويقي لُغز وقع قبل بَدْء زمن المسرحية،
وهو هنا مقتل لايوس ملك طِيبة . إن أوديب يصير ملك المدينة ويتزوج ملكتها ،
ويتبيَّن باستقصاءاته فيما بعد أنه من حيث لا يدري قد حقَّق النبوءة التي هرب من
وجهها ، فقتل أباه لايوس، وتزوَّج مِن أُمِّه يوكاستِه، مِمَّا أدى إلى انتحار
زوجته / أُمِّه، وقيامه بفقء عينيه اللتين لَم تريا الحقيقة.5_
"إلكترا". تُعَدُّ نموذجًا نادرًا للمسرحية الدائرية، إذ يتطابق بناء
مشاهد الجزء الأول مع بناء مشاهد الثاني، مع الحفاظ على تصاعد حالة التوتر منذ
المشهد الأول حتى ما قبل الأخير، الذي يُشكِّل الذِّروة الثانية للأفعال. وعلى
نقيض مُعالجتَي أسخيلوس ويوربيديس للموضوع نفْسه، فإن أورست وإلكترا هنا لا
يُعاقَبان مِن قِبَل الآلهة على قتل الأم.كان سوفوكليس نحو عام 409 ق.م شَيْخًا
طاعنًا في السن، وكان موضوع الساعة بين المثقفين حينذاك هو البرهان على أن التربية
المكتسبة أبقى وأكثر فعالية من الفِطرة . وكان جواب سوفوكليس هو مسرحية : 6_
" فيلوكتيت " .بطلها الفعلي ليس صاحب العنوان ولا أوذيسيوس، وإنما
نيوبتوليموس ابن أخيل ، الذي لَم تكن له هذه الأهمية في مُعالجتَي أسخيلوس
ويوربيديس . ومِن ثَمَّ فإن الكاتب قد عالج مادة أسطورية معروفة ومطروقة ليناقش
موضوعًا اجتماعيًّا بالغ الحساسية في زمنه. أمَّا النص الأخير : 7_ " أوديب
في كولونوس". فقد عرضه ابن أخيه بعد وفاة سوفوكليس بخمس سنوات، وهنا يعود إلى
موضوعه الأثير ليبرهن على أن أوديب الشاب لَم يكن مذنبًا، فها هي الآلهة تستقبله
في معبدها شيخًا ثم ترفعه إلى عليائها. لا تكمن أهمية سوفوكليس في إبداعه الأدبي
والفكري فَحَسْب ، بل كذلك في التجديدات العملية على صعيد العرض في المسرح.
فالجوقة في مسرحياته وعروضه صار عددها 15 شخصًا ، وأضعفَ تأثيرها الغنائي كما كان
لدى أسخيلوس، ليجعلها جزءًا عضويًّا من الفعل المسرحي ، كما أضاف الممثِّل الثالث
، فأغنى بذلك المشهد والفعل والحوار، مِمَّا أدَّى إلى شِبه انقلاب في بناء
المسرحية عمَّا كانت عليه قبله . ثم إنه تخلى عن وَحدة موضوع الثلاثية مُرَكِّزًا
على استقلالية موضوع كل جزء على حِدَة .