وُلد الكاتب المسرحي
برتولت بريخت ( 1898 _ 1956 ) في مدينة أوجسبورج
. درس الطب في ميونخ، وعمل
في مسرح كارل فالنتين. وفي عام 1922 ، حصل بريخت على جائزة كلايست عن أول أعماله
المسرحية . وفي عام 1924 ، ذهب إلى برلين ، حيث عمل
مُخرجًا مسرحيًّا . وهناك أخرج العديد من مسرحياته . وتزوَّج عام 1929 من الممثلة هلينا فايجل .
في عام 1933 ، بعد
استيلاء هتلر على السُّلطة
في ألمانيا، هرب إلى الدنمارك . ثم هرب عام 1941 من الدنمارك من القوات الألمانية
التي كانت تتوغَّل في أوروبا،
وتحتل كل يوم بلدًا جديدًا، فهرب إلى سانتا مونيكا في كاليفورنيا، وهناك قابل
العديد من المهاجرين الألمان الذين فَرُّوا من الدولة الهتلرية ، التي بدأت تمارس
القهر والاغتيالات ضد المعارضين ، وتفرض اضطهادًا لا حدود له ضد اليهود ، وتَحرق
كتب الأدباء التي لا ترضى عنهم . وقد كانت كتب بريخت من الكتب التي أُحْرِقت .
وهناك
في أمريكا لَم يكن بريخت راضيًا عن الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية في أمريكا. وفي
عام 1947، حُوكِم في واشنطن ، بسبب قيامه بتصرفات غير أمريكية .
وفي عام 1948 عاد إلى الوطن ألمانيا، ولكن
لَم يُسمَح له بدخول ألمانيا
الغربية ، فذهب إلى ألمانيا
الشرقية، حيث تولى هناك في برلين الشرقية إدارة المسرح الألماني . ثم أسَّس في عام
1949 مسرح " فرقة برلين " . وتولى عام 1953 رئاسة نادي القلم الألماني .
وحصل عام 1954 على جائزة ستالين للسلام . وقد أثَّر مسرح " فرقة برلين "
على المسرح الألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وظَل بريخت يعمل في
هذا المسرح حتى وفاته .
يُعتبَر بريخت مِن أهم كتاب المسرح العالمي
في القرن العشرين . ويقوم مذهبه في المسرح على فكرة أن الْمُشَاهِدَ هو العنصر
الأهم في تكوين العمل المسرحي، فمن أجله تُكتَب المسرحية، حتى تُثير لديه التأمل
والتفكير في الواقع ، واتخاذ موقف ورأي من القضية المتناوَلة في العمل المسرحي.
ومن أهم أساليبه في كتابة المسرحية :
1_ هدم الجدار الرابع: يُقصَد به جعل
الْمُشَاهِد مُشارِكًا في العمل المسرحي، واعتباره العنصر الأهم في كتابة المسرحية.والجدار
الرابع معناه أن خشبة المسرح التي يقف عليها الممثلون، ويقومون بأدوارهم، تُشبه
غرفة من ثلاثة جدران، والجدار الرابع هو جدار وهمي وهو الذي يقابل الجمهور .
2 _ التغريب: يُقصَد
به تغريب الأحداث اليومية العادية، أي جَعْلها غريبة ومثيرة للدهشة ، وباعثة على
التأمل والتفكير .
3_ المزج بين الوعظ والتسلية ، أو بين
التحريض السياسي والسُّخرية الكوميدية .
4_ استخدام مَشَاهِد متفرقة : بعض مسرحياته
تتكوَّن من مَشَاهِد متفرقة، تقع أحداثها في أزمنة مختلفة ، ولا يربط بينها غير
الخيط العام للمسرحية . كما في مسرحية "الخوف والبؤس في الرايخ الثالث "
( 1938 ) . فقد كتبها في مشاهد متفرقة تَصُب كُلها في وصف الوضع العام لألمانيا في
عهد هتلر ، وما فيه من القمع والطغيان والسَّوداوية التي يُنبِئ بحدوث كارثة ما .
5 _ استخدام
أغنيات بين الْمَشَاهِد ، وذلك
كنوع من المزج بين التحريض والتسلية .
كتب بريخت أُولى أعماله المسرحية " بعل
" ، وكان مُتَأثِّرًا فيها بفترة التعبيرية . أمَّا في مسرحية " أوبرا الثلاثة قروش " (
1928 ) التي حققت له نجاحًا عالميًّا ، فقد
كانت تُصوِّر بطريقة عفوية مبدأ : (( في البداية الطعام ، ثُمَّ الأخلاق )) .
كان بريخت من أهم كُتَّاب المسرح في ألمانيا
قبل عام 1933 . ولكن بعد استيلاء هتلر على الحكم ، واضطهاده لليهود، وإحراقه كتب
الأدباء الذين لا ينتهجون نهجًا نازيًّا، هرب من ألمانيا إلى الدنمارك ثم أمريكا.
وكتب في أمريكا أهم أعماله ، منها نظريته عن المسرح الملحمي، التي نشرها عام 1948
، بعنوان" الأرجانون الصغير للمسرح " .
نجد
في أعمال بريخت حَيرته إزاء العالَم وقضاياه . ففى نهاية مسرحيته "الإنسان
الطيب في ستشوان " يقول بريخت : (( نقف هُنا مصدومين ، نشاهد بتأثر الستارة
وهي تُغلَق ، وما زالت كل الأسئلة مطروحة للإجابات )) .
وفي مسرحية " حياة جاليليو " التي كتبها عام 1943 في المهجر في الدنمارك ، تدور الأحداث حول عالم الفيزياء الإيطالي جاليليو ، الذي يتراجع أمام سُلطة الكنيسة ، ويتخلى عن إنجازاته العِلمية وأعماله الفكرية خوفًا مِن التعذيب والحرق . وترمز هذه المسرحية إلى وضع العلماء الألمان بعد تولِّي هتلر السُّلطة في ألمانيا .