وُلدت الأديبة الأمريكية بيرل باك ( 1892_
1973) في ولاية فرجينيا الأمريكية، لأبوين يَعملان في مجال التنصير ( التبشير )،
وسافرت معهما إلى الصين وهي في شهرها الخامس ، وعاشت سنوات طويلة في الصين ، حيث
تعلمت خلالها اللغة الصينية ، وفهمت عادات الشعب الصيني وتقاليده . وقد حاولت
جاهدةً أن تجعل رواياتها جسرًا بين الثقافة الأمريكية والثقافة الصينية، رغم
الاختلافات الفكرية ، والتناقضات الثقافية.
لم تكن باك تنتمي لأسرة من الْمُنصِّرين (
المبشِّرين بالمسيحية ) فَحَسْب ، بَل كانت هي أيضًا مُبشِّرة ، عملت في صفوف هيئة
الإرساليات التبشيرية . وتأثرت بتجارب والدَيْها ، فقد كانت أُمُّها راوية بارعة
للقصص ، خصوصًا القصص المتعلقة بالحرب الأهلية الأمريكية . كما أن جولات والدها
التبشيرية في الأرياف والمناطق المنعزلة وَفَّرت له رَصيدًا هائلاً من القصص ،
التي كان يرويها لأولاده عِند عَودته ، وقد تركت أثرًا عميقًا في نفْس ابنته بيرل
.
ومن الأحداث الصادمة في حياتها وحياة
عائلتها ، نشوء جمعية صينية سرية في عام 1900 ، قادت ثورةً لطرد الأجانب ، وطالبت
الصينيين الذين تنصَّروا بالعَودة إلى دياناتهم الأصلية . وهذا الأمر اضطرها هي
وعائلتها للهروب مِن منزلهم إلى ساحل البحر ، للنجاة من هذه الثورة . ورغم هذه
المعاناة ، إلا أن باك كانت تعتبر الثورة نتيجة منطقية للاستغلال الغربي ، وما
عاناه الصينيون مِن ظُلم الغرب وحِقد أبنائه . فقد كان التنصير وسيلة للسيطرة على
الشعب الصيني ، وإخضاعه للثقافة الغربية . وفي عام 1910 ، سافرت باك إلى أمريكا ،
للالتحاف بكلية راندولف للبنات ، وهناك واصلت الكتابة في المجلات والصحف، وفازت
بجائزتين أدبيتين . الأولى لأحسن قصة تكتبها طالبة، والثانية لأفضل قصيدة . وقد
عانت كثيرًا في الكلية ، إذْ ظَهرت الاختلافات بينها وبين زميلاتها، بسبب أفكارها
وطريقة تربيتها ، وتَمَّ اعتبارها غريبة الأطوار ، لكنَّها استطاعت أن تعيد تشكيل
حياتها لتنسجم مع الحياة الغربية في طريقة الحياة والحديث واللباس .
حصلت على
ليسانس الآداب من كلية راندولف ماكون للبنات عام 1914 ، ثُمَّ عملت
مُدرِّسة للفلسفة في نفْس الكلية لمدة سنة واحدة ، وبعدها عادت إلى الصين ،
للاعتناء بوالدتها المريضة . وفي الوقت نفْسه ، قامت بتدريس اللغة الإنجليزية
للطلاب الصينيين . كما استغلت وقت فراغها لدراسة المؤلفات الصينية بشكل أكثر
عُمْقًا .
والجديرُ بالذِّكر أنَّ الاسم الحقيقي لهذه
الكاتبة هو"بيرل سيدينستريكر"،ولكنَّها عندما تزوَّجت حَملت اسم عائلة
زوجها " جون لوسينج باك " ، وهو خبير زراعي عيَّنته هيئة الإرساليات
البروتستانتية لتعليم الصينيين طرق الزراعة الأمريكية ، وهكذا تحوَّل اسمها إلى
" بيرل باك".
سافرت باك مَعَ زوجها في أنحاء الصين ، وشاهدت
عن قُرب النِّزاعات الاجتماعية في المجتمع الصيني ، وتفكك الأُسرة ، والصراعات
النفسية التي تسيطر على حياة الصينيين ، ورأت مشاعر التمزق بين القديم والحديث ،
والصِّدام بين النظام الأبوي الصارم والحياة المتحررة للفرد . فقد انتشر في
المجتمع الصيني التدخين على نطاق واسع ، وازداد الاختلاط بين الجنسين ، وانتشر
الرقص الأمريكي ، وبَرزت فكرة التمرد ضد السُّلطة الأبوية ، وصار الشابُّ يتَّخذ
قرار الزواج بعيدًا عن أُسرته ، وقد كانت الأُسر الصينية تختار الزوجات لأبنائها ،
وتتولى تزويجهم . وفي ظل هذه الظروف ، ظَهرت الدعوات إلى الشيوعية ، كرد فعل مضاد
لفلسفة الحياة الغربية .
في عام 1925 ، سافرت إلى أمريكا من جديد،
لعلاج ابنتها كارول التي كانت تعاني من التخلف العقلي ، ولكنْ تَبَيَّنَ أنها ستظل
مُعاقة طيلة حياتها . وفي عام 1933 ، كتبت باك مقالاً انتقدت فيه المنصِّرين (
المبشِّرين ) الذي يحرصون على زيادة أعداد الداخلين في دِينهم عن طريق ابتزازهم
واستغلال جهلهم وفقرهم ، ودُون مُراعاة ظُروفهم الإنسانية .
أدى نشر المقال لاستقالتها من هيئة
الإرساليات التبشيرية، فكان طلاقًا أبديًّا بينها وبين المؤسسة التي عملت في
صفوفها وانتمت إِلَيها . وفي عام 1935 ، طَلَّقها زوجها جون لوسينج باك ، وتزوَّجت
في العام نفْسه ريتشارد جون والش ، رئيس شركة جون داي للطباعة والنشر ، ورئيس
تحرير مجلة آسيا ، وأقامت معه في أمريكا حتى وفاته عام 1960 .
تعلمت باك الصينية قبل الإنجليزية ، ثُمَّ
تعلمت الإنجليزية ، وهذا وَفَّرَ لها ثَروة لغوية هائلة ، وجعل أسلوبها الأدبي
قويًّا ومتماسكًا . وقد انكبَّت على قراءة القصص مُنذ نعومة أظفارها ، وهي كاتبة
غزيرة الإنتاج . وقد لُقِّبت بالكاتبة الصينية لأن معظم كتاباتها مُستوحاة من
الحياة في الصين.
حصلت على جائزة بوليتزر ( 1932) عن روايتها
الأرض الطيبة ، وحصلت أيضًا على جائزة نوبل للآداب عام 1938 ، لتكون بذلك أول
كاتبة أمريكية تفوز بهذه الجائزة العالمية .
من أبرز رواياتها: الأرض الطيبة ( 1931).بيت منقسم ( 1935). جناح المرأة ( 1946) . الموجة الكبيرة ( 1948) . رسالة من بكين ( 1957). الموت في قلعة ( 1965) .