وُلد الروائي الأسترالي
باتريك وايت ( 1912_ 1990) في لندن ، في أثناء زيارة والديه لها، وتُوُفِّيَ في
مدينة سيدني . عمل في يفاعته في مزرعة
أبيه التي كانت تُعنَى بتربية الأغنام . ثُمَّ عادَ إلى إنجلترا في فترات مُتعاقبة
للدراسة ، فدرس اللغات الحديثة في جامعة كامبردج . خدم في أثناء الحرب العالمية
الثانية في سلاح الجو الملكي . عاد بعدها إلى أستراليا ليستقر فيها ، وتَخَلَّلت
ذلك فترات إقامة مُتقطِّعة في كُل مِن إنجلترا والولايات المتحدة .
بدأ وايت الكتابة شِعرًا ، إلا أنَّه وَجد
أن ذلك يُقيِّده ، فالتفتَ إلى النثر . وكانت " الوادي السعيد " ( 1939)
أُولى رواياته التي ظهر فيها تأثره الواضح بديفيد هربرت لورنس وتوماس هاردي ،
وتَعَلَّمَ عن طريقها صنعة الكتابة . عاد في كتاباته اللاحقة إلى بيئة بلاده
الأصلية ، وجعلها محورها ، فصار الكاتب الأسترالي الأبرز بامتياز . ويُمكن تشبيه
هذا التطور لديه بحال الروائيين الأمريكيين اللاتينيين الذين جعلوا من قارَّتهم
رمزًا للغموض والرَّوعة ، فجعلَ وايت من أستراليا رمزًا للبهاء والعَظَمة ، بَيْدَ
أنَّه لَم يَتغاضَ عن تَطَفُّل المدنية ، وتَعَدِّيها على طبيعة القارَّة البدائية
المتوحِّشة لِتَخل بتوازنها . ويُمكن تشبيهه أيضًا بكونراد الذي جعل من قارَّة
أخرى رمزًا للوُلوج إلى قلب العَتَمة لكشف خفايا النَّفْس البشرية . وقد تَبَدَّى
كُل هذا في أُولى رواياته المهمة " قصة العَمَّة " ( 1948) ، وهي دراسة
لحياة امرأة عادية جدًّا ، وتتجلى المفارَقة حين يُؤدِّي نجاحها الشخصي إلى جنونها
. وأيضًا في روايات " شجرة الإنسان " ( 1955) وهي الأهم ، و " فوس " ( 1957)، و " راكبو العربة
" ( 1961) ، و" دائرة الكَون " ( 1966) ، و " قضية
توايبورن" ( 1979) ، التي تستمد كُلُّها موضوعاتها من أستراليا التي تُجسِّد
ثيمتها المركزية.وقد وجد وايت في شخصية المستكشِف الألماني ( فوس ) المعادِل
الموضوعي له ، فهو مُهرِّج وحكيم . عبقري وأحمق في آنٍ واحد ، ويسقط في النهاية
ضحية لِفُضوله وللقارَّة البِكْر التي يُحاول استكشافها . ويُقدِّم الكاتب في
" دائرة الكَون " التناقض حتى في التَّوأم ، فأحدهما مجنون ، والآخَر
عاقل . وتكمن المفارَقة في استحالة التمييز بينهما . وكتب وايت في المسرح أيضًا،
فعرض مسرحية "الموسم في سارسابَرِيلا " ( 1962) ، التي نُشرت لاحقًا من
مجموعة " أربع مسرحيات "( 1965)، و" ليلة على الجبل الأقرع "
التي عُرضت عام 1964 ، وغَيرها . وكتب أيضًا القصة القصيرة ، وسيرته الذاتية
بعنوان " صَدْع في الزجاج " ( 1981) .
تحفل مؤلفات وايت بالأساطير والرموز التي
تتعلق بقارَّته الساحرة . وقد عالج فيها مسائل الغربة ، والبحث عن معنى الوجود ،
والتساؤلات الحياتية المليئة بالتناقضات . كُل ذلك بأسلوب تيار الوعي ، الذي جعل
مؤلفاته عَصِيَّةً على بعض القُرَّاء ، وهي على ما يَشُوبها من تشاؤم ، إيجابية
ومُفعَمة بِفِكْره الناقد وخياله الشِّعري.
كان رافضًا للجوائز ، ورفض مِن قَبْل جائزة
( البوكر ) . وتَمَّ ترشيحه لنفس الجائزة بعد وفاته،لأنَّه لا يستطيع رفضها لوجوده
في الدار الآخِرة. وعند فَوزه بجائزة نوبل للآداب ( 1973) خَشِيَت اللجنة أن يَرفض
الجائزة ، فأبلغت صديقته الرَّسَّامة ( سيدني نولان سيدي ) الأسترالية ، لِتُخبره
بفوزه بالجائزة من أجل قبولها على شرط أن تذهب صديقته لاستلام الجائزة . ولَم يتم
عمل محاضرة كما هو المعتاد بالأكاديمية السويدية لغياب الفائز بالجائزة . وألقت (
سيدني نولان سيدي ) خُطبة قصيرة كتبها وايت ، مُبْدِيًا فيها سعادته بالجائزة ،
التي ذَكَّرَته بزيارته القصيرة لاستوكهولم ومالمو السويديتين ،
وهو في السادسة عشرة مِن عُمره .
وقد جاء في تقرير الأكاديمية السويدية عن سبب منحه جائزة نوبل للآداب : (( لطريقته الرائعة والمؤثِّرة نفسيًّا في فَن السَّرْد ، والتي قامت بتقديم محتوى جديد للأدب )) .