وُلِدَ الكاتب الألماني بول فون هايس ( 1830
_ 1914) في برلين ، وكان والده أستاذًا مُشاركًا في فقه اللغة الكلاسيكية واللغويات العامة . وكانت عائلته
مُثقَّفة وغَنِيَّة . وهذه المناخ المنْزلي أدخلَ هايس في قلب المجتمع المثقَّف
الذي يهتم بالأدب والموسيقى والفن .
خاض هايس مجالاتٍ أدبية متعددة ، ولَم يحصر
نفْسه ضمن مجال واحد . فله إسهامات متعددة في الشِّعر والمسرح والترجمة . فقد درس
اللغات،وترجم أعمال عدد من الشعراء الإيطاليين.وحصل على جائزة نوبل للآداب عام
1910. ليكون بذلك أول كاتب ألماني يحصل على هذه الجائزة العالمية عن أعماله
الأدبية الخيالية ، وثالث ألماني يحصل عليها بعد المؤرِّخ وعالِم الآثار تيودور
مُومسِن ، والفيلسوف رودلف أوكن .
كان هايس طالبًا نموذجيًّا ، وقد بدأ
محاولاتِه الشعرية وهو في المدرسة الثانوية ، وشاركَ في إنشاء النوادي الأدبية
التي تهدف إلى تبنِّي المواهب الشابة في الأدب عمومًا ، والشِّعر خصوصًا . وقد
استغل مكانة عائلته الاجتماعية والفكرية في الوصول إلى الصالونات الفنية في برلين
.
في عام 1847 ، بدأ هايس دراسة فقه اللغة الكلاسيكية في برلين
. وبعدها بسنة ، نشر أوَّل قصيدة شِعرية يُعبِّر فيها عن حماسه للثورات الأوروبية
، أو ما سُمِّيَ بربيع الشعوب . وهي سلسلة من الاضطرابات السياسية، حدثت في عام
1848 في جميع أنحاء القارة الأوروبية ، مدفوعةً
بالثورة الفرنسية ( 1848 ) . وقد أطلقَ البعض اسم " ربيع الشعوب " على
ثورات العالَم العربي ( 2011 )
مُتأثِّرين بما حدث في أوروبا .
وبعد عامين من الدراسة في برلين ، التحق
بجامعة بون لدراسة تاريخ الفن ، والتعمق في الدراسات الرومانسية . وتُعتبَر جامعة
بون من أبرز الجامعات الألمانية . ومن أشهر خِرِّيجيها : الأمير ألبرت ( زوج
الملكة فكتوريا ) ، والبابا بندكت السادس عشر ، والقيصر فريدرش الثالث ، والفيلسوف
كارل ماركس ، والفيلسوف نيتشه .
وفي عام 1850 ، قرَّر بشكل نهائي أن يكون
شاعرًا، ورسم حياته وفق هذه الأساس. وأعدَّ أطروحةً علمية في فقه اللغة . وبسبب
علاقة غرامية مع زوجة أحد أساتذته ، اضْطُرَّ للعودة إلى برلين في عيد الفِصْح .
لقد غرق في خيانة أحد أساتذته مع زوجته ، واعتبر هذه العلاقة العاطفية جزءًا لا
يَتجزَّأ مِن حياته الشخصية ، ومسيرته الأدبية .
قام مشروع هايس الشِّعري على الأغنية . فقد
اعتبرَ الأغنيةَ الشِّعرية أفضل وسيلة لتمرير الأفكار ، والوصول إلى الجماهير .
وفي عام 1851 ، بدأ حياته كمترجم ، وقد أقام
علاقات متعددة مع وسطاء في الأدب الإيطالي من أجل ترجمته . وبعد سنة ، حصل على
الدكتوراة في شِعر الشعراء المتجوِّلين ، بعد منحة دراسية من الدولة البروسية (
الألمانية ) . كما أنه زار إيطاليا لدراسة المخطوطات القديمة في الفاتيكان .
لَم يَكتفِ هايس بكتابة الشِّعر والترجمة ،
بل أيضًا راح يكتب القصص . وقد اعترفَ في سيرته الذاتية أنه يكتب القصص بعد تخطيط
دقيق للتخلص من عبء العمل اليومي ، ثم يقوم بتصحيح الأخطاء الكتابية ، ثم يستبدل
بعض الكلمات بأخرى مُلائمة ومُناسِبة . وهو يهدف إلى تجنب الوصف السطحي ، والتخلص
من التَّطويل الممِل . وفي قصصه تظهر مفاهيم غير سياسية ، تتعلق بمثالية الفن ،
والرحلة إلى السعادة ، والحساسية الروحية ، والمثالية المعنوية .
وفي عام 1910 ، عَيَّنت مدينة ميونخ هايس
مواطنًا فخريًّا بمناسبة عيد ميلاده الثمانين ، وأيضًا منحه أحد الأمراء لقب شخصية
من طبقة النبلاء ، وفي نهاية ذلك العام فاز بجائزة نوبل للآداب عن أعماله الأدبية
ذات النَّزعة الخيالية . وقد تُوُفِّيَ في عام 1914 ، قبل عِدَّة أشهر من اندلاع
الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918) .
كان هايس من أصول يهودية. وهذا الأمر جعله
منبوذًا ومرفوضًا مِن قِبَل الكثيرين ، خصوصًا أن عقود ما بعد الحرب العالمية
الأولى ، قد كَوَّنت بيئةً مليئة بمشاعر الانتقام والحقد والكراهية والتمييز
العنصري .
مِن أبرز أعماله الأدبية : قصص قصيرة ( 1855 ) ، كتاب الأغاني ( 1860 ) ، مأساة هادريان ( 1865) ، كلمات لا تُنسَى ( 1883) ، ذكريات الشباب واعترافات / سيرة ذاتية ( 1900) .