وُلِد الشاعر
الإنجليزي بيرسي شيلي ( 1792 _ 1822 ) في أحد عقارات الأسرة المعروف باسم فيلد
بليس ( الترجمة الحرفية تعني مكان الحقل ) ، وهو بيت رحب بالقرب مِن هورشام في
سسكس . وأنجبت أُمُّه بعده أربع بنات ، وبعد ذلك بمدة طويلة أنجبت له أخًا . ونشأ
بيرسي بين أخواته، فأخذ منهن شيئًا مِن الرقة والخيال وسرعة الاستثارة، وكَوَّنَ
مع أخته الكبرى علاقة حميمة.
التحقَ بإحدى المدارس ، لكنه عانى بِشِدَّة
بسبب إلزامه بخدمة تلاميذ أكبر منه ، وامتنعَ عن ممارسة كُل أنواع الرياضة إلا
التَّجديف . ومِن سُوء الحظ أنه لَم يتعلم السباحة قَط . وسُرعان ما نبغَ في اللغة
اللاتينية ، فراحَ يُساعد زملاءه في دُروسهم ، فردَّ لهم بذلك الكَيل
بِتَنَمُّرِهم عليه .
خلال الإجازة وقع في حب قريبة لَم تتجاوز
ستة عشرة ربيعًا . اسمها هاريت جروف التي كانت تزور
أسرته في فيلد بليس كثيرًا. وراحا يتبادلان الرسائل الحارة ، حتى إنهما في عام
1809 تعاهدا على الإخلاص الأبدي . لكنه اعترف لها بِشَكِّه في الله ، فأظهرت خطابه
المنطوي على شُكوكه الدينية لأبيها ، فنصحها ألا ترتبط به .
التحقَ بالكلية الجامعية في أكسفورد ،
وتجنَّبَ هناك الإفراط في العلاقات الجنسية ، فيما عدا ليلة أو ليلتين مارس فيهما
الجنس على سبيل التجريب . وكانت العلاقات الجنسية تبدو لمعظم الطلبة الذين لَم
يتخرجوا بَعْد أمرًا لازمًا يدل على الرجولة . وكان يستمع بين الحين والحين إلى
محاضرات يُلقيها الأساتذة والعمداء الذين لَم يكونوا يتفوَّقون عليه في اللاتينية
واليونانية سِوى بخطوة واحدة ، وسُرعان ما راحَ يُؤلِّف الشِّعر باللاتينية .
كان مقر إقامته مليئًا بالكتب المبعثرة
والمخطوطات والتعويذات غير الواضحة الواردة في كتب العِلم القديمة . وكان يؤمن
بقدرة العلم على صياغة الكون والإنسان. ولَم يكن يهتم بالتاريخ، لأنه كان مُقتنعًا
بما قاله فولتير وجيبون : إن التاريخ هو في الأساس سجل لجرائم البشر وغبائهم .
كان شيلي شاعرًا ذا أعصاب حسَّاسة ، دافئ
المشاعر ، مُستسلمًا للأفكار الغامضة التي لَم تتبلور بَعْد ، لكنه كان ينفر من
التاريخ . وكان كباقي الشعراء ، يُركِّز على الحرية الفردية ، ويَشُك في القيود
الاجتماعية. وقد ذكر" هوج" أن الليالي في غرفة شيلي كانت رائعة ، عندما
كانا يَقرآن الشعر والفلسفة مَعًا ، ويدحضان القوانين والعقائد ، ويظلان يتبادلان
الأفكار حتى الساعة الثانية صباحًا ، ويتَّفقان _ قبل كل شيء _ على مسألة أساسية
هي " أن الله لا وجود له " .
وقد أعَدَّ المتمردان الشابان كتابًا عن هذا
الموضوع بعنوان " ضرورة الإلحاد"، لِتَحَدِّي كُل ما هو مُحرَّم في
المجتمع، ولجذب الانتباه. مع العِلم أن مصطلح " الإلحاد " كان مَمنوع
الاستخدام في المجتمع في تلك الفترة .
يُعتبَر شيلي واحدًا من أفضل الشعراء
الغنائيين باللغة الإنجليزية . وكانت حياته غير العادية وتفاؤله العنيد وصوته
القوي المعترِض ، عواملَ ساهمت في جعله شخصية مُؤثِّرة، وعرَّضته للتشويه خلال
حياته وبعد مَماته . وقد أصبح أيقونةً للجيلَيْن الشعريين الذين تلياه .
يُعرَف شيلي بقصائده القصيرة : أوزيماندياس
. أغنية للريح الغربية . إلى قُبُّرة . ومعَ ذلك ، فإن أعماله الهامة تتضمن قصائده الرُّؤيوية الطويلة : ألاستور ( أو رُوح العُزلة ) .
ثورة الإسلام. أدوناي . بروميثيوس طليقًا . وعمله غَير المنتهي " انتصار
الحياة " .
أُعجِب به كارل
ماركس وبرتراند راسل . كما اشْتُهِر بصحبته
لكل من جون كيتس ولورد بايرون . وكانت الروائية ماري
شيلي زوجته الثانية
.
كان شيلي يُعاني من الاضطراب والقلق إلى حد
كبير ، وكان أقرب ما يكون إلى الاستثارة ، وكانت قدرته على التحمل دَوْمًا يتَّسع
مداها، حتى يكون لطيفًا مع الآخرين مُتَذَرِّعًا بالصبر. وَظَنَّ أن بمقدوره تخفيف
آلامه بتناول وجبات نباتية ، وتمسَّكَ بهذا الأمل .
تُوُفِّيَ شيلي في 8 يوليو في عام 1822، قبل
شهر من عيد ميلاده الثلاثين، حيث عُثِر على مركب الشاعر أثناء عاصفة في خليج
سبيتسيا الإيطالي، وكان كُل من شيلي وصديقه وفتى المركب البالغ مِن العمر 18 عامًا
قد ماتوا غَرَقًا .
غُسِل جسم شيلي على الشاطئ بعد أسابيع لاحقة
، وحُرقت جثته على الشاطئ بحضور مجموعة من أصدقائه من بينهم الشاعر اللورد بايرون
.
وقد حَدَثَ أمرٌ غريبٌ يُطابِق واحدةً مِن
قصائده ، حيث إن قلب شيلي أبى الاحتراق أثناء مراسم حرق الجثة . ويُحتمَل أنه عانى
مِن مرض ما أدى إلى تكلُّس قلبه .
وقام أحد الأصدقاء الذين حضروا مراسم الحرق بانتشال القلب مِن ألسنة اللهب ، وأعطاه لزوجة شيلي، ماري شيلي ، مؤلفة رواية فرانكشتاين . ويُقال إنها أبقت على رماده في مكتبها .