وُلِد الأديب
الأيرلندي برام ستوكر ( 1847 _ 1912) في كلونتارف، في الجزء الشمالي مِن دَبلن
بأيرلندا . برع في الرياضيات والعلوم والتاريخ واللغة، وتبع خطى والده في العمل في
الخدمة المدنية كموظف في قلعة دبلن ، وخدم فيها ثماني سنوات نزولاً عند رغبة والده
، وخلال تلك الفترة كان ينشر في المجلات بعض القصص،مِنها "كأس
الكريستال" عام 1872، و" سلسلة القَدَر " عام 1875 ، و " لعنة
الرُّوح " عام 1880 . بالإضافة إلى إلى تعاونه مع بعض المجلات كناقد مسرحي
مِن دُون أجر . اشْتُهِر
في أرجاء العالَم كافة بروايته " دراكولا " .
ربطته صداقة عُمر بالممثِّل البريطاني
الشهير سير هنري أيرفينغ . وعمل مُديرًا لأعماله، ثم دفعه شغفه بالمسرح والتمثيل
لأن يصبح مديرًا ناجحًا لمسرح ليسيوم الخاص بالممثِّل، واستمر في وظيفته مدة سبعة
وعشرين عامًا حتى وفاة صديقه في عام 1906 . ومن خلال الوسط الفني، تعرَّفَ على
نخبة شخصيات المجتمع الأيرلندي والبريطاني، وقد ربطته صداقة بمجموعة أدباء منهم
آرثر كونان دويل وألفريد لورد تينيسون ومارك توين وأوسكار وايلد ، الذي تنافس معه
على طلب وُد الفتاة الجميلة فلورنس بالكومب ، التي اختارت في النهاية ستوكر ، وتزوَّجا
في عام 1878 . وعلى الرغم مِن انشغاله،فقد تمكن من كتابة روايته الأولى الرومانسية
" ممر الثعبان " ( 1890)، وعمل
بعدها على كتابة روايته " دراكولا " التي لَم ينته منها إلا في عام 1897
، وقد حقَّقت له تلك الرواية شُهرة لَم يكن يَحلُم بها . وتُعتبَر هذه الرواية
رائدة في عالَم روائع أدب الإثارة والرُّعب ، والتي عَرف معظم الناس قصتها من خلال
قراءة الرواية ، أو مشاهدة أحد الأفلام السينمائية العديدة التي تناولتها .
أمَّا أساس الرواية ، فيمكن تلخيصه كالتالي
: ربطت ستوكر صداقة ببروفيسور من بودابست بهنغاريا . وفي أحد لقاءاتهما حكى الأخير
لصديقه قصصًا عن أساطير مَصَّاص الدماء في ترانسلفانيا، وعليه توجَّه ستوكر إلى
أهم المكتبات في لندن ، ودرس جميع المواضيع والأبحاث التاريخية عن مصَّاصي الدماء
في ترانسلفانيا ، وكذلك في مختلف أنحاء أوروبا . كما درس أيضًا طائر الخفاش وهو من
الثدييات كمصَّاص دماء ، والذي يعيش في جنوب أميركا .
واستوحى فكرة بطل
روايته من شخصية حقيقية وهي الأمير فلاد دراكولا ، الذي
حكم هنغاريا ورومانيا، وكذلك أيضًا من الشخصية الواقعية الكونتيسة إليزابيث باثوري
من ترانسلفانيا، التي اشتهرت بجمالها، والتي حينما بدأت تتقدم بالعمر أصيبت بجنون
الخوف مِن فقدان جمالها، واعتقدت بأن دماء الفتيات الشابات ستحفظ لها ديمومة
تألقها . وهكذا ، فقد قَتلت 50 مِن خادماتها ، لِتَسبح في دمائهن. وبعد اكتشاف
فِعلتها، احْتُجِزت خلف جدران قلعتها حتى وفاتها في عام 1614 .
كُتِبت هذه الرواية التي تدور أحداثها في
أواخر القرن التاسع عشر، على نمط مذكرات يَرويها البطل جوناثان هاركر، المحامي
الشاب الذي يُكلَّف بمهمة الذهاب إلى ترانسلفانيا للقاء الكونت دراكولا المقيم في
قلعته في منطقة نائية لإنجاز الأوراق الرسمية الخاصة بملكيته الجديدة في بريطانيا
. وتتجلى موهبة ستوكر في إضفاء المصداقية على روايته ، مِن خلال شخصية البطل
المتَّزنة العقلانية التي تعتمد على الدقة والنظام في ترتيب أمور حياتها. بوصول
هاركر إلى القلعة وقضائه بضعة أيام برفقة الكونت، يبدأ بالتَّنبه إلى بعض الوقائع
الغريبة في القلعة، ومنها عدم وجود أية مرآة وكذلك عدم تناول الكونت للطعام أو
الشراب، بالإضافة إلى غيابه الدائم خلال النهار وعدم نومه في غرفته ، وغَير ذلك من
دلائل تجعل القارئ يتابع الأحداث معَ البطل بشغف وحماس. وهذه الرواية التي
تناولتها السينما بصورة تجارية، تحمل أبعادًا ومضمونًا عميقًا، فهي تُجسِّد الصراع
بين قوى الخير والشر، وتعتمد على أفكار العهد الفِكتوري المثالية ، حيث ينتصر
الخير في النهاية، إلا أن ما فات الكثيرين هو أن ستوكر كان يحاول من خلال روايته
تلك تجسيد فساد المجتمع الطبقي في عهده، حيث تُمثِّل شخصية الكونت فساد وجشع
الطبقة الأرستقراطية مقابل مجموعة الأصدقاء التي تُمثِّل الطبقة الوسطى ، والتي
تنتصر في النهاية .
في سنوات ستوكر
الأخيرة تدهورت صحته بصورة متسارعة . وعلى الرغم من أن أسباب موته ما زالت غامضة ،
وأثارت الكثير من الجدل، إلا أن كاتبي سيرته الذاتية تجنبوا الحديث عن هذا الأمر.
وقد بيَّن الأطباء إصابته بالشلل العام المرتبط بالجنون . ويُفسِّر بعض المختصين
أن هذه الأسباب ترتبط بمرض الزُّهري ، وإن لَم
يكن تفسيرهم مُؤكَّدًا عِلميًّا .
والجدير بالذِّكر أن ستوكر نشر قبل مرضه روايتين : " لغز البحر " ( 1902) ، و " الرَّجل" ( 1905) . وتتناولان أدوار الرَّجل والمرأة في المجتمع، وأيضًا ، التُّصور العام الذي يحمله ستوكر تجاه المرأة . كما استمر هذا الأديب في كتابة روايات الرُّعب والغموض ، مِثل رواية " جوهرة النجوم السبع "( 1903)، وتدور أحداثها في مصر، ورواية"سَيِّدة الخِمار "( 1909 ) . و" عرين الدودة البيضاء " ( 1911 ) .