وُلِد الأديب الإنجليزي جون
درايدن ( 1631_ 1700 ) في مدينة نورثامبتوشاير . يُعتبَر أحد أشهر شعراء وأدباء
إنجلترا خلال عصره ، لكن لَم يقتصر على الشِّعر فقط ، بَل أبدعَ في مجالات أخرى
كالمسرح والنقد الأدبي والترجمة ، وكان كاتبًا لامعًا خلال عصر عَودة الملكية .
كان درايدن تابعًا للمذهب
الكاثوليكي الروماني ، ومِن أشد الناس دفاعًا عن الدين والكنيسة الكاثوليكية ،
وكتب قصيدة " الظبية والنمر " ( 1681 ) دفاعًا
عن دِينه ومعتقداته .
تلقَّى درايدن دراسته بدايةً في مدرسة وسمنستر ، ثم التحق بكلية ترينتي بمدينة كامبردج، وحصل
على ليسانس الآداب في عام 1654 ، وانتقل بعد ذلك إلى العاصمة لندن . وشرع
في الكتابة الأدبية في أواخر الخمسينيات من القرن السابع عشر . وكانت كتابته
مُقتصرة على الشِّعر والمسرح والنقد . وفي البداية ،
شغل درايدن وظيفة الكتابة في حكومة كرومويل
، وقد أُعْجِب بشخصيته مِمَّا جعله يكتب عنه قصيدة طويلة عند وفاته . اهتمَّ
درايدن بكتابة الشِّعر في بداية أعماله لأغراض عِدَّة ، مِن أبرزها توفير الدَّخل
المالي . حيث كتب عِدَّة قصائد في مواضيع كثيرة من بينها السياسة. فقد كتب قصيدة
رحَّب فيها بعودة الملكية عام 1660 . وكان أول مَن تقلَّدَ منصب شاعر البلاط
الملكي عام 1668 .
وفي عام 1670 ، تَوَلَّى منصب المؤرخ الملكي .
في أول ديسمبر 1663 ، تزوَّجَ
درايدن مِن ليدي إليزابيث هوارد ابنة إرل بيركشير ، وفُوجِئ الناس وأُصِيبوا
بالدهشة مِن سيدة ذات مكانة وثراء تتزوَّج مِن شاعر، ولكنها كانت في سِن الخامسة
والعشرين ، وفي خطر مِن فَوات الأوان، كما كان أخوها سير روبرت هوارد المتلهِّف
على التأليف والكتابة ، قد ضمن تعاون درايدن معه في رواية " الملكية الهندية
" التي أخرجاها عام 1664 ، في مشاهد بالغة البذخ ، مع نجاح عظيم .
في مجال
المسرح، كتب درايدن تقريبًا 27 مسرحية ،
مِن أشهرها : " كُلُّه
مِن أجل الحب "،
و " الزواج على المودة " . لكن في الحقيقة
، لَم يستمتع بكتابة المسرحيات ، وإنما كانت فقط من أجل الحصول على بعض المال .
كان درايدن يستخدم قصائده للهجوم على خصومه ومُنافسيه، سواءٌ كانوا سياسيين أَم
أدباء. وهذا كان مألوفًا في القرن السابع عشر ، وهذا المجال هو الذي أكسبَ درايدن
قوة عظيمة ، فقد كتب قصائد عِدَّة هاجمَ فيها أعداءَ البلاط ، مِنها : قصيدة
" مال فليكنو " ، وقصيدة " الميدالية "، ومضمون هذه الأعمال
الشعرية أنه تناولَ فيها خُصوم الملِك بالسُّخرية والازدراء . وقد سادَ
درايدن عصره في مجال الهجاء ، وأرهبَ خصومه . وفي عام 1688 ، فَقَدَ الملِك جيمس
الثاني عَرْشَه ،
وتولى البروتستانتيان وليم وماري منصب الملك المخلوع . رَفض درايدن أداء قَسَم
الولاء للمَلِك الجديد، وتخلى عن المناصب التي كان يشغلها في الحكومة، وكرَّس معظم
وقته في الترجمة لِيُوفِّر دخلاً ماليًّا . ومِن أشهر ما ترجم : شِعر فِرجيل ، عام
1697 . كتب درايدن في مجال النقد الأدبي ، وَرَكَّزَ على هذا الأمر كثيرًا . وأهم
وأفضل أعماله في هذا المجال مقال حول الشِّعر المسرحي عام 1668 ، والذي عَبَّرَ
فيه عن إعجابه الكبير بشكسبير.
كان درايدن يعتقد أن الإنسان جزءٌ
من المجتمع الذي يمتدُّ بجذوره إلى العهد الإغريقي والروماني القديم.وكان يعتقد
أيضًا أن الآداب والفنون لها قيمتها كَمُؤثِّرات حضارية.وتأسيسًا على هذه
المعتقدات ، تناولَ في كتاباته القضايا الكبيرة ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية
والإنسانية .
كان درايدن رجلاً ودودًا كريمًا
مُستعدًّا لمد يد المعونة وكَيْل المديح. ولكن نجاحه وغروره وإفراطه في التحدث عن
نفْسه وتوكيداته الخلافية ، كُلها جلبت عليه عداوات كثيرة. واحتمل درايدن لبعض
الوقت حملاتهم عليه، دون رد علني منه . ولكن في عام 1681 ، جَمَعَ أعداءه في إطار
واحد ، وهجاهم بلسان حاد ، وبألذع هجاء عُرِف في اللغة الإنجليزية . ولَم تعرف
إنجلترا مِن قَبْل مِثل هذا الهِجاء اللاذع الذي لا يَرحم، الذي يُركِّز كل
التَّشويه والتَّجريح في سطر واحد. ووافته المنية في أول مايو 1700 ، وشهدت جنازته
اضطرابًا شديدًا ، وتنازعت الشِّيَع المتنافسة على جُثمانه . وأخيرًا ، وُورِي
التراب إلى جانب تشوسر في كنيسة
وستمنستر .
إن درايدن شخصية مكروهة ، لأن كل الظواهر تقول إنه كان انتهازيًّا نفعيًّا مُتَقَلِّبًا . فقد امتدحَ كرومويل في فترة الحماية ، وكالَ المديح لشارل الثاني وعشيقاته ، وأثنى على البروتستانتية في عهد ملك بروتستانتي ، وأطرى الكاثوليكية في ظِل ملك كاثوليكي ، والتمسَ موارد كسب المال بكل الطرق ، وجلب على نفْسه عداوة كثير من الناس ، مِمَّا لا بد معه أن يكون ثمة شيء يَكرهه الناس فيه . وجارى كل منافسيه في إباحية رواياته وتحرُّرها من كل القيود، وفي تورُّعه في شِعره . وبلغت قُوَّته في الهجاء مبلغًا يستدر العطف على ضحاياه . ولكن لا جِدال في أنه كان أعظم الشعراء الإنجليز في جِيله . وكتب معظم شِعره في المناسبات، وقَلَّما حفظ الزمن شِعْرًا نُظِم للمناسبات. ولكن هِجاءه لا يزال حَيًّا ، لأن أحَدًا غَيره لَم يستطع أن يَأتِيَ بِمِثل هذا الهجاء الذي صَوَّرَ الشخصيات في ازدراء عنيف واحتقار قاسٍ وسُخرية لاذعة .