وُلدت المفكِّرة
والأديبة جوليا كريستيفا ( 1941 _ ... ) في مدينة سليفن ببلغاريا ، لأبوين مسيحيين
. كان والدها هو محاسب الكنيسة .
درست
كريستيفا وشقيقتها في مدرسة فرنكوفونية تُديرها راهبات . تعرَّفت كريستيفا على
أعمال ميخائيل باختين في هذا الوقت في بلغاريا . وذهبت للدراسة في جامعة صوفيا ،
وقد حصلتْ على زمالة بحث في الدراسات العليا ، مَكَّنتها من الانتقال إلى فرنسا في
ديسمبر 1965. واصلت تعليمها في العديد من الجامعات الفرنسية. وفي 2 أغسطس 1967 ،
تزوَّجت من الروائي فيليب سوليرز .
ركَّزت
كريستيفا على سياسة اللغة ، وتدرَّبت على التحليل النفسي . ويمكن النظر إلى عملها
الفكري على أنه محاولة لتكييف نهج التحليل النفسي مع النقد في مرحلة ما بعد
البنيوية . وتُجادل كريستيفا بأن الأنثروبولوجيا وعِلم النفس ، أو العلاقة بين
المجتمع والموضوع ، لا تُمثِّل بعضهما البعض ، بل تتبع نفس المنطق : بقاء المجموعة
والموضوع .
اعْتُبِرت
كريستيفا مُؤيِّدة رئيسية للنسوية الفرنسية مع سيمون دي بوفوار . وكان لكريستيفا
تأثير ملحوظ على النسوية والدراسات الأدبية النسوية في أمريكا وبريطانيا،وكذلك على
القراءات في الفن المعاصر ، على الرغم مِن أن علاقتها بالأوساط النسائية والحركات
النسائية في فرنسا كانت مثيرة للجدل . قامت كريستيفا بعمل توضيح لأنواع الحركة
النسوية في كتاب " أمراض الأرواح الجديدة " ( 1993) . وتُعتبَر مواقفها
في بعض الأحيان رافضةً للحركة النسوية تمامًا .
حَسَب رأي
كريستيفا ، لا يكفي تشريح بنية اللغة من أجل إيجاد معناها الخفي. يجب أيضًا أن
يُنظَر إلى اللغة من خلال موضوعات التاريخ والخبرات النفسية والجنسية الفردية .
وهذا النهجُ ما بعد البُنيوي كان له أثر واضح في تتبُّع مصادر اللغة وتطبيقاتها
على أرض الواقع .
كتبت
كريستيفا عددًا من الروايات التي تُشبه القصص البوليسية . وقد بثَّت في رواياتها
أفكارَها المتأصِّلة في مشاريعها الفكرية النظرية . وتكشف شخصياتها عن نفسها بشكل
رئيسي من خلال الأدوات النفسية ، مِمَّا يَجعل نمطها من الخيال يُشبه العملَ الذي
قام به دوستويفسكي .
إن أعمال كريستيفا الخيالية استعارية في
الغالب ، تقترب
من السِّير الذاتية في بعض المقاطع، كما أنها تتعامل مع اكتشافات مُبكِّرة للأسئلة
المتعلقة بتقاطع اللغة والثقافة والأدب .
مِن الأمور
الصادمة ما أوردته مجلة نوفيل أوبس الفرنسية عن تواطؤ كريستيفا مع النظام الشيوعي
في بلدها الأصلي بلغاريا، والمقصود بالتواطؤ قَبولها التعامل عام 1971 مع جهاز أمن
الدولة " دارجافنا سيغورنوست "،
للتجسس على الجالية البلغارية في فرنسا، والمثقفين الفرنسيين، ورفع تقارير عنهم .
وقد نشرت اللجنة البلغارية المكلَّفة بفتح
الأرشيف الشيوعي وثائق حول أنشطة كريستيفا، لا تقبل الشك . إذ إن اسمها مُدرَج ضمن
قائمة طويلة مِمَّن قبلوا التعامل مع مخابرات نظام صوفيا البائد، مع اسم حركي شأن
كل الجواسيس هو " صابينا ". ورغم عدم وجود أي وثيقة بخط يدها،فإن
التقارير تثبت قبولها هذا العمل ( 1971_1973) ونقلها تقارير شفوية عن المثقفين
الفرنسيين ، وعن المنظمات اليسارية ، وعن موقف الإعلاميين من القضية الفلسطينية .
ويرى المحللون أن
كريستيفا قَدِمت إلى فرنسا ، وانتفعت بمنحة دراسية، وهو ما لَم يكن في متناول أي
كان ما لَم يَحُزْ موافقة المصالح البلغارية المختصة التي كانت تراقب عن كثب
مُهاجريها لا سِيَّما أولئك الذين يتركون عائلاتهم في بلد المنشأ .
في عام 1969 ، صدر كتاب كريستيفا "
سيمياء " . كما أن كتابها " ثورة في اللغة الشعرية " ( 1974 )
عبَّر عن مساهمة كبيرة في المشهد الفلسفي . وفي كتاباتها عن " الذات
المتكلِّمة " تُورِد أسماء مِثل دِريدا ، هُوسِّرل ، فرويد ، دي سوسير .
تقترح كريستيفا في كتابها " سيمياء
" قراءة جدولية للنصوص، ويتعلق الأمر هنا باكتشاف الفونيمات(الحروف) المنتشرة
في النَّص، والتي يُشكِّل اصطفافها الخطي(الزمني)الكلمة _ الموضوع. وهي فيه تعتمد
التحليل النفسي ، إذ إن ظهور الكلمة الْمُحتجِبة يُعبِّر عن عودة المسكوت عنه ،
والمغيَّب ، والغائر في اللاوعي .
إن
علاقة السيميائي بالرمزي عند كريستيفا ، هي علاقة جدلية تتجسَّد من خلال ما
يُؤدِّيه كل منهما من وظيفة في الخطاب، سواء كان نظرية أو نصًّا سرديًّا أو
شعريًّا، قد يجد أحدهما نفْسه مُسْتَلَبًا من الآخر، إلا أنهما يعملان مُتعاضدَيْن
ولا يُقصي أحدهما الآخر، وهذا يبدو جليًّا من خلال التاريخ الطويل لمصطلحَي (
السيميائي والرمزي ) .