وُلد الشاعر الإنجليزي
جون كيتس ( 1795_ 1821) في مورجيت في لندن . لَم
يتمكن والداه من تحمل تكاليف دراسته في مدارس راقية، لذلك أُرسِل في صَيف 1803 إلى
مدرسة عادية قريبة من منزل جَدِّيه، وعاشَ في عائلة فقيرة جِدًّا في لندن ، وأُصيب
بمرض السُّل باكرًا ، وهو المرض الذي أودى بحياته عام 1821 . وقد أُعْجِب بالإغريق
وحيَّاهم بصفتهم مُلهميه .
لَم يَحْظَ في حياته إلا بالتجاهل والاحتقار
مِن قِبَل النُّقاد والشعراء الآخرين . مات أبوه وعُمره ثماني سنوات فقط ، وهجرت
أمه المنزل ، وتزوَّجت بعد شهرين فقط مِن موت زوجها ، وعهدت بأولادها لجدتهم ، إلا
أنها عادت إليهم عند طلاقها ، وأُصيبت بمرض السُّل ، فقام كيتس على العناية بها
حتى وفاتها في 1810. وهكذا أصبح كيتس حَسَّاسًا جِدًّا إلى حد المرض . ولَم يعد
يثق بالحياة ومصائبها، وأصبح يُعاني من القلق الوجودي، ولَم يجد أمامه إلا الكلمات
كعزاء .
وبالتالي ، أصبح كيتس شاعرًا رغمًا عنه .
يُعتبَر من شعراء المدرسة الرومانسية ، ومِن أهم رُوَّادها الإنجليز . ورغم أن
أعماله لَم تُنشَر إلا قبل أربع سنوات من وفاته ، وأن حصيلته الشعرية كانت بشكل
أساسي نتاج ست سنوات فقط ، ورغم أن قصائده لَم تلفت نظر النُّقاد آنذاك ، إلا أنه
يُعتبَر اليوم مِن أكثر الشعراء دراسةً . وتُعَد سلسلة الأغنيات القصيرة التي
كتبها كيتس في وقتنا الحالي تُحَفًا فنية ، ولا تزال مِن أكثر الشِّعر الإنجليزي
انتشارًا . وتُعتبَر رسائل كيتس عن نظريته الجمالية في القدرة السلبية أكثر
الرسائل الْمُحتفَى بها لأيِّ كاتب .
تعرَّفَ كيتس على إيزابيلا جونز في مايو
1817 ، حين كان يُمضي إجازة في إحدى القُرى الصغيرة. وكانت إيزابيلا امرأة جميلة
ومَوهوبة وواسعة الاطلاع . ومع أنها لَم تكن من صفوة المجتمع، إلا أنها كانت
مُقتدرة مَالِيًّا . وقد صارت هذه الشخصية الغامضة جُزءًا من محيط كيتس.
لاحقًا ، أحب كيتس امرأة تُدعى " فاني
براون "، تغنَّى بها في قصائد مؤلمة ، وزيادةً على ذلك، فقد انهال عليه
النُّقاد شتيمةً واستهزاء . وكان من الممكن أن يقتلوا رغبة الشعر فيه . ولكن نقدهم
قَوَّى عزيمته مثلما فعلت المصائب والمحن . كان كيتس شديد الإحساس بمآسي العالَم ،
وبؤس الوضع البشري ، كيف لا وهو الذي عاش حياته القصيرة في المآسي والفواجع ، ولَم
يستطع أن يتزوج المرأة التي أحبها حتى درجة الجنون بسبب مرضه . لقد حرمته الحياة
من كل شيء سِوى الشعر . وقد قال عنه أحد النُّقاد إنه مع شكسبير في الصف الأول من
الشعراء ! .
في عام 1819، نشر كيتس قصيدته الرائعة
" المرأة الجميلة بلا شفقة " ، وفيها يَتحسَّر على المرأة التي أحبها ،
ولَم يستطع أن يتزوجها ، ويقول فيها : (( أيتها النجمة الساطعة / هل أستطيع أن
أثبت مِثلك في مدار وأستريح ؟ )) .
وعلى الرغم من أن قصائده لَم تنل استحسان
النُّقاد أثناء حياته ، إلا أن سُمعته نمت بعد وفاته. وفي نهاية القرن التاسع عشر
أصبح مِن أكثر شعراء اللغة الإنجليزية شعبيةً . وكان له تأثير كبير على مجموعة
متنوعة من الشعراء والكُتَّاب. حتى إِن الكاتب بورخيس قال إِن أول لقاء مع كيتس
يُمثِّل تجربةً أدبية أهم مِن حياته .